حد السرقة !
الأربعاء ديسمبر 08, 2010 9:36 pm
قالوا: ما هذه الوحشيةالتي جاء بها رسولُ الإسلام إنه يقطع يد السارق ، ويشوه خلقته ؛ لأنه سرق !! واستندوافي ذلك إلى الآتي:
1- قوله I: ]وَالسَّارِقُوَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِوَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (المائدة38) .
ثانيا: إنهناك سؤالاً يطرح نفسه هو: ما هي مقدار السرقة التي تقطع فيها اليد ؟
الجواب :هوفيما ذكره الإمام النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه لصحيحِ مسلمٍ قال :
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - أَجْمَعَالْمُسْلِمُونَ عَلَى قَطْع السَّارِق فِي الْجُمْلَة ، وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي فُرُوعمِنْهُ .
قَوْله : ( عَنْ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - قَالَتْ : كَانَ رَسُولاللَّه r يَقْطَع السَّارِق فِي رُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ) وَفِي رِوَايَة ( قَالَ رَسُول اللَّه r : لَا تُقْطَع يَد السَّارِق إِلَّا فِيرُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ) وَفِي رِوَايَة : ( لَا تُقْطَع الْيَد إِلَّافِي رُبْع دِينَار فَمَا فَوْقه ) وَفِي رِوَايَة : ( لَمْ تُقْطَع يَد السَّارِقفِي عَهْد رَسُول اللَّه rفِي أَقَلّ مِنْ ثَمَن الْمِجَنّ ) وَفِي رِوَايَة اِبْن عُمَر t قَالَ : ( قَطَعَ النَّبِيّ r سَارِقًا فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم ) وَفِي رِوَايَة أَبِيهُرَيْرَة ( قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه r : لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة فَتُقْطَعيَده وَيَسْرِق الْحَبْل فَتُقْطَع يَده ) . أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى قَطْع يَد السَّارِق كَمَاسَبَقَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي اِشْتِرَاط النِّصَاب وَقَدْره ، فَقَالَ أَهْل الظَّاهِر: لَا يُشْتَرَط نِصَاب بَلْ وَيُقْطَع فِي الْقَلِيل وَالْكَثِير ، وَبِهِ قَالَ اِبْنبِنْت الشَّافِعِيّ مِنْ أَصْحَابنَا ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّوَالْخَوَارِج وَأَهْل الظَّاهِر ، وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله I : ] وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا [, وَلَمْ يَخُصُّوا الْآيَة ، وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء : وَلَاتُقْطَع إِلَّا فِي نِصَاب لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة .
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي قَدْر النِّصَاب ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ النِّصَابرُبْع دِينَار ذَهَبًا ، أَوْ مَا قِيمَته رُبْع دِينَار ، سَوَاء كَانَتْ قِيمَتهثَلَاثَة دَرَاهِم أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَر ، وَلَا يُقْطَع فِي أَقَلّ مِنْهُ ، وَبِهَذَاقَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ ، وَهُوَ قَوْل عَائِشَة وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزوَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْث وَأَبِي ثَوْر وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ ، وَرُوِيَ أَيْضًاعَنْ دَاوُدَ ، وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة : تُقْطَع فِي رُبْعدِينَار أَوْ ثَلَاثَة دَرَاهِم أَوْ مَا قِيمَته أَحَدهمَا ، وَلَا تُقْطَع فِيمَادُون ذَلِكَ ، وَقَالَ سُلَيْمَان بْن يَسَار وَابْن شُبْرُمَةَ وَابْن أَبِي لَيْلَىوَالْحَسَن فِي رِوَايَة عَنْهُ : لَا تُقْطَع إِلَّا فِي خَمْسَة دَرَاهِم ، وَهُوَمَرْوِيّ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : لَا تُقْطَعإِلَّا فِي عَشَرَة دَرَاهِم أَوْ مَا قِيمَته ذَلِكَ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضالصَّحَابَة أَنَّ النِّصَاب أَرْبَعَة دَرَاهِم ، وَعَنْ عُثْمَان الْبَتِّيّ أَنَّهُدِرْهَم ، وَعَنْ الْحَسَن أَنَّهُ دِرْهَمَانِ ، وَعَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ أَرْبَعُونَدِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَة دَنَانِير ، وَالصَّحِيح مَا قَالَهُ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ r صَرَّحَ بِبَيَانِ النِّصَاب فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثمِنْ لَفْظه وَأَنَّهُ رُبْع دِينَار ، وَأَمَّا بَاقِي التَّقْدِيرَات فَمَرْدُودَةلَا أَصْل لَهَا مَعَ مُخَالَفَتهَا لِصَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيث . وَأَمَّا رِوَايَةأَنَّهُ r ( قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم ) فَمَحْمُولَة عَلَىأَنَّ هَذَا الْقَدْر كَانَ رُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ، وَهِيَ قَضِيَّة عَيْن لَاعُمُوم لَهَا ، فَلَا يَجُوز تَرْك صَرِيح لَفْظه r فِي تَحْدِيد النِّصَاب لِهَذِهِ الرِّوَايَة الْمُحْتَمَلَة، بَلْ يَجِب حَمْلهَا عَلَى مُوَافَقَة لَفْظه ، وَكَذَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ( لَمْ يَقْطَع يَد السَّارِق فِي أَقَلّ مِنْ ثَمَن الْمِجَنّ) مَحْمُولَةعَلَى أَنَّهُ كَانَ رُبْع دِينَار ، وَلَا بُدّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيل لِيُوَافِقصَرِيح تَقْدِيره r . وَأَمَّا مَا يَحْتَجّ بِهِ بَعْض الْحَنَفِيَّة وَغَيْرهمْ مِنْ رِوَايَةجَاءَتْ : ( قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَتهعَشَرَة دَرَاهِم ) ، وَفِي رِوَايَة : ( خَمْسَة ) ، فَهِيَ رِوَايَة ضَعِيفَة لَايُعْمَل بِهَا لَوْ اِنْفَرَدَتْ ، فَكَيْف وَهِيَ مُخَالِفَة لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثالصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي التَّقْدِير بِرُبْعِ دِينَار مَعَ أَنَّهُ يُمْكِن حَمْلهَاعَلَى أَنَّهُ كَانَتْ قِيمَته عَشَرَة دَرَاهِم اِتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَفِي قَطْع السَّارِق ، وَلَيْسَ فِي لَفْظهَا مَا يَدُلّ عَلَى تَقْدِير النِّصَاببِذَلِكَ.
وَأَمَّا رِوَايَة ( لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة أَوْ الْحَبْلفَتُقْطَع يَده ) فَقَالَ جَمَاعَة : الْمُرَاد بِهَا بَيْضَة الْحَدِيد وَحَبْل السَّفِينَة، وَكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يُسَاوِي أَكْثَر مِنْ رُبْع دِينَار ، وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَهَذَا وَضَعَّفُوهُ ، فَقَالُوا : بَيْضَة الْحَدِيد وَحَبْل السَّفِينَة لَهُمَا قِيمَةظَاهِرَة ، وَلَيْسَ هَذَا السِّيَاق مَوْضِع اِسْتِعْمَالهمَا ، بَلْ بَلَاغَة الْكَلَامتَأْبَاهُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُذَمّ فِي الْعَادَة مَنْ خَاطَرَ بِيَدِهِ فِي شَيْءلَهُ قَدْر ، وَإِنَّمَا يُذَمّ مَنْ خَاطَرَ بِهَا فِيمَا لَا قَدْر لَهُ فَهُوَ مَوْضِعتَقْلِيل لَا تَكْثِير ، وَالصَّوَاب أَنَّ الْمُرَاد التَّنْبِيه عَلَى عَظِيم مَاخَسِرَ ، وَهِيَ يَده فِي مُقَابَلَة حَقِير مِنْ الْمَال وَهُوَ رُبْع دِينَار ، فَإِنَّهُيُشَارِك الْبَيْضَة وَالْحَبْل فِي الْحَقَارَة ، أَوْ أَرَادَ جِنْس الْبَيْض وَجِنْسالْحَبْل ، أَوْ أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ الْبَيْضَة فَلَمْ يُقْطَع جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَىسَرِقَة مَا هُوَ أَكْثَر مِنْهَا فَقُطِعَ ، فَكَانَتْ سَرِقَة الْبَيْضَة هِيَ سَبَبقَطْعه ، أَوْ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ قَدْ يَسْرِق الْبَيْضَة أَوْ الْحَبْل فَيَقْطَعهُبَعْض الْوُلَاة سِيَاسَة لَا قَطْعًا جَائِزًا شَرْعًا ، وَقِيلَ : إِنَّ النَّبِيّr قَالَ هَذَا عِنْد نُزُول آيَة السَّرِقَة مُجْمَلَةمِنْ غَيْر بَيَان نِصَاب ، فَقَالَهُ عَلَى ظَاهِر اللَّفْظ وَاللَّهُ أَعْلَم.أهـ
نلاحظ : أن قطع اليد لا يكون إلا على ما هو ذو قيمة كبيرة.
ثالثا : إن الدكتور على جمعة أجاب إجابة رائعة في كتاب: حقائق الإسلام فيمواجهةِ شبهاتِ المشككين (الطبعة الرابعة ص546) قائلاً : ولما كان قطع يد السارق يفضحهويسمه بسمة السرقة ويطلع الناس على ما كان منه. فقد أقام الإسلام حراسة على من يتهمبالسرقة ، فلا تقطع يده مع وجود شبهة في أنه سرق كما لا تقطع يده في الشيء المسروقإذا كان تافهاً لا يعتد به ،أو كان في غير حرز بل إن السارق في تلك الحالة يعزر بالضربأو الحبس ، ولا تقطع يده. ومن تلك الضوابط التي وضعتها الشريعة لإقامة حد القطع علىالسارق:
أولاً : أن يكون المسروقشيئاً ذا قيمة أي أن له اعتباراً اقتصاديٍّا في حياة الناس . عن عائشة ـ رضي الله عنهاـ عن النبيِّ r أنه قال: [ تقطع اليد ـ أي يد السارقـ بربع دينار فصاعداً ].
ثانياً : أن يكون المسروقمحروزاً ، أي محفوظاً في حرز.
ثالثاً : أن ما أخذ للأكلبالفم من التمر فهذا لا قطع فيه ولا تعزير.
رابعاً : السرقة في أوقاتالمجاعات لا قطع فيها ولذلك أبطل عمرُ t القطعَ في عام الرمادة حينما عمت المجاعة .
خامسا: العبد إذا سرق شيء ينظرهل سيده يطعمه أم لا ؟ فإن كان لا ، غرم سيده ضعف ثمن المسروق كما فعل سيدنا عمر بنالخطاب ـ رضي الله عنه ـ في غلمان ابن حاطب بن أبى بلتعة حينما سرقوا ناقة رجل من مزينةفقد أمر بقطعهم ولكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد وغرم سيدهم ضعف ثمنالناقة تأديباً له.
والقاعدة أن الحدود تُدْرَء بالشبهات.
وهكذا ينبغي أن تفهم حدود الإسلام في ظل نظامه المتكامل الذي يتخذ أسباب الوقايةقبل أن يتخذ أسباب
العقوبة. فالحدود تمنع من وقوع الجريمة ولذلك نرى على مر التاريخ الإسلاميوعلى مساحة واسعة من بلاد المسلمين أن حد السرقة لم يطبق إلا في أضيق الحدود وبعددمحدود جداً لا يتجاوز العشرات مع كل هذه الملايين من البشر حيث استقر في وجدان المسلمينأن السرقة جريمة من الجرائم السيئة التي تهدد الأمن الاجتماعي والمجتمع في ذاته بحيثتستحق مثل هذه العقوبة البد نية التي تشبه عقوبة الإعدام وعلى قدر عظم الذنب والجرميكون عظم العقاب. وبعض المعاصرين ينطلقون من نموذج معرفي آخر يقدم بدن الإنسان في ذاتهبغض النظر عن أفعاله وجرائمه. وقد خفي عليهم كل هدى سليم ولا حول ولا قوة إلا باللهالعلى العظيم.أهـ
رابعًا: إن الكتاب المقدس ينسب إلى الربِّ أنه يأمر بقطع يد المرآة التيتمسك عضوَ التذكير لرجل أجنبي عنها أثناء عراكه مع زوجها !! جاء ذلك في سفر التثنية 25عدد11«إِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ، رَجُلٌوَأَخُوهُ، وَتَقَدَّمَتِ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا لِكَيْ تُخَلِّصَ رَجُلَهَا مِنْيَدِ ضَارِبِهِ، وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِعَوْرَتِهِ، 12فَاقْطَعْيَدَهَا، وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ .
وأتساءل: أليس قطع اليد وحشية ؟! لماذا لم يطعن المعترضون على ذلكالنص ؛ كما طعنوا في حديث النبيِّ r وقالوا ما قالوا ...
ثم إنهناك سؤالاً يفرض نفسه على المعترضين : هو هل حد السرقة في القرآنِ الكريمِ والسنةِ فقط أمأنه ثابت في الكتاب المقدس أيضًا ؟
الجواب: حدالسرقة ثابت في الكتاب المقدس للآتي :
1- سفر الخروج 22 عدد2إِنْوُجِدَ السَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ، فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ..
2-سفر التثنيه24 عدد 7«إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ قَدْ سَرَقَنَفْسًا مِنْ إِخْوَتِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتَرَقَّهُ وَبَاعَهُ، يَمُوتُذلِكَ السَّارِقُ، فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.
3- سفر زكريا 5 عدد3فَقَالَلِي: «هذِهِ هِيَ اللَّعْنَةُ الْخَارِجَةُ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. لأَنَّكُلَّ سَارِق يُبَادُ مِنْ هُنَا بِحَسَبِهَا، وَكُلَّ حَالِفٍ يُبَادُ مِنْهُنَاكَ بِحَسَبِهَا. 4إِنِّي أُخْرِجُهَا، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ،فَتَدْخُلُ بَيْتَ السَّارِقِ وَبَيْتَ الْحَالِفِ بِاسْمِي زُورًا، وَتَبِيتُ فِيوَسَطِ بَيْتِهِ وَتُفْنِيهِ مَعَ خَشَبِهِ وَحِجَارَتِهِ».
قلتُ : إن الواضح من خلال ما سبق أن حد السرقة في الكتاب المقدس هو( القتل ) ، وليس قطع اليد فهو لا يمنح للإنسان فرصة للتوبة والحياة .....
وأقول للمعترضينكما قالوا في شبهتهم : أليست هذه وحشية ...؟!
وأتساءل: أليست هذه النصوص أمر من اللهِ لموسى u ولغيرِه من الأنبياء فلماذا لا يطبقونها ؟
وأين النصُ الذي منعهم عن تطبيق هذا الحد ؟
أم هل هذا من النسخِ عندهم ؟ فإذا كان كذلك فأينهو الدليل الناسخ؟
ثمإن إنجيل متى ينسب إلى يسوع المسيح أنه قال في الإصحاح 18 عدد 8 فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَاعَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْتُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. 9وَإِنْأَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْتَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ.
قلتُ : إن هذه النصوص واضحةٌ الدلالةٌ على جوازِ قطعِ الأيدي ، والأرجل،بل وقلع الأعين ؛حينما يكونون معسرةً للإنسانوعائقًا بينه وبين دخول الحياة الأبدية (الجنة ) ، فذلك أفضل له من أن يُلقى به فينار جهنم ..
2- صحيح البخاري كِتَاب (الْحُدُودِ ) بَاب ( قَوْلِاللَّهِ I : ] وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [. وَفِي كَمْ يُقْطَعُ وَقَطَعَ عَلِيٌّ مِنْ الْكَفِّ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي امْرَأَةٍسَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ) برقم 6291 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُبْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ r:" تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ".
3- صحيح مسلم كِتَاب( الْحُدُودِ ) بَاب ( حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا) برقم 3190 و حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِوَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَاللَّفْظُ لِلْوَلِيدِوَحَرْمَلَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا: ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍعَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ :" لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّافِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ".
· الرد على الشبهة
أولا : إن من مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ: حفظ الدين ، وحفظ النفس، وحفظ العقل ، وحفظالعرض وحفظ المال...
قالالإمامُ النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه :
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: صَانَاللَّه تَعَالَى الْأَمْوَال بِإِيجَابِ الْقَطْع عَلَى السَّارِق ، وَلَمْ يُجْعَلذَلِكَ فِي غَيْر السَّرِقَة كَالِاخْتِلَاسِ وَالِإنْتِهَاب وَالْغَصْب ؛ لِأَنَّذَلِكَ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّرِقَة ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِن اِسْتِرْجَاعهَذَا النَّوْع بِالِاسْتِدْعَاءِ إِلَى وُلَاة الْأُمُور ، وَتَسْهُل إِقَامَة الْبَيِّنَةعَلَيْهِ ، بِخِلَافِ السَّرِقَة فَإِنَّهُ تَنْدُر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهَا، فَعَظُمَ أَمْرهَا ، وَاشْتَدَّتْ عُقُوبَتهَا لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي الزَّجْر عَنْهَا. أهـ
قلتُ: إن السرقةَ من أكبرِالجرائم التي تنفر منها النفوسُ والتيتتنافي مع مقاصدِ الشريعةِ ،وتتنافي مع الإيمانِ الصحيح .... ثبت في صحيح البخاري برقم 6284 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَاللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ:" لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِيوَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ".
وعليه فإن الحدودَ التي شرعها اللهُ I تساعدُ على استقرار الأمن الحقيقيللمجتمعِ والأسرِ، وعلى العكس من ذلك فإننا نجد أن القوانين الوضعية التي منبعهاالغرب تساعد على نمو الإجرام وانتشاره ... مثال ذلك: فالحبس يدخل فيهالمجرم صغيرًا ويخرج منه مجرمًا كبيرًالتعرّفه هناك على مجرمين أكبر منه خبرةً....
إن قيل:إن السارق بعد قطع يده يعيش عالة على المجتمع لا يعمل ...
قلتُ : إن العقوبةَلا تنص على قطع كلتا يديه ؛ وإنما قطع يدٍ واحدةٍ فقط من الرسغ ، كما أن تحمل شخصواحد المشقة أخف من إيذاء الألوف الأبرياء الذين لا ذنب لهم .
1- قوله I: ]وَالسَّارِقُوَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِوَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (المائدة38) .
ثانيا: إنهناك سؤالاً يطرح نفسه هو: ما هي مقدار السرقة التي تقطع فيها اليد ؟
الجواب :هوفيما ذكره الإمام النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه لصحيحِ مسلمٍ قال :
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - أَجْمَعَالْمُسْلِمُونَ عَلَى قَطْع السَّارِق فِي الْجُمْلَة ، وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي فُرُوعمِنْهُ .
قَوْله : ( عَنْ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - قَالَتْ : كَانَ رَسُولاللَّه r يَقْطَع السَّارِق فِي رُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ) وَفِي رِوَايَة ( قَالَ رَسُول اللَّه r : لَا تُقْطَع يَد السَّارِق إِلَّا فِيرُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ) وَفِي رِوَايَة : ( لَا تُقْطَع الْيَد إِلَّافِي رُبْع دِينَار فَمَا فَوْقه ) وَفِي رِوَايَة : ( لَمْ تُقْطَع يَد السَّارِقفِي عَهْد رَسُول اللَّه rفِي أَقَلّ مِنْ ثَمَن الْمِجَنّ ) وَفِي رِوَايَة اِبْن عُمَر t قَالَ : ( قَطَعَ النَّبِيّ r سَارِقًا فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم ) وَفِي رِوَايَة أَبِيهُرَيْرَة ( قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه r : لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة فَتُقْطَعيَده وَيَسْرِق الْحَبْل فَتُقْطَع يَده ) . أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى قَطْع يَد السَّارِق كَمَاسَبَقَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي اِشْتِرَاط النِّصَاب وَقَدْره ، فَقَالَ أَهْل الظَّاهِر: لَا يُشْتَرَط نِصَاب بَلْ وَيُقْطَع فِي الْقَلِيل وَالْكَثِير ، وَبِهِ قَالَ اِبْنبِنْت الشَّافِعِيّ مِنْ أَصْحَابنَا ، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّوَالْخَوَارِج وَأَهْل الظَّاهِر ، وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْله I : ] وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهمَا [, وَلَمْ يَخُصُّوا الْآيَة ، وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء : وَلَاتُقْطَع إِلَّا فِي نِصَاب لِهَذِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة .
ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي قَدْر النِّصَاب ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ النِّصَابرُبْع دِينَار ذَهَبًا ، أَوْ مَا قِيمَته رُبْع دِينَار ، سَوَاء كَانَتْ قِيمَتهثَلَاثَة دَرَاهِم أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَر ، وَلَا يُقْطَع فِي أَقَلّ مِنْهُ ، وَبِهَذَاقَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ ، وَهُوَ قَوْل عَائِشَة وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزوَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْث وَأَبِي ثَوْر وَإِسْحَاق وَغَيْرهمْ ، وَرُوِيَ أَيْضًاعَنْ دَاوُدَ ، وَقَالَ مَالِك وَأَحْمَد وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة : تُقْطَع فِي رُبْعدِينَار أَوْ ثَلَاثَة دَرَاهِم أَوْ مَا قِيمَته أَحَدهمَا ، وَلَا تُقْطَع فِيمَادُون ذَلِكَ ، وَقَالَ سُلَيْمَان بْن يَسَار وَابْن شُبْرُمَةَ وَابْن أَبِي لَيْلَىوَالْحَسَن فِي رِوَايَة عَنْهُ : لَا تُقْطَع إِلَّا فِي خَمْسَة دَرَاهِم ، وَهُوَمَرْوِيّ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه : لَا تُقْطَعإِلَّا فِي عَشَرَة دَرَاهِم أَوْ مَا قِيمَته ذَلِكَ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضالصَّحَابَة أَنَّ النِّصَاب أَرْبَعَة دَرَاهِم ، وَعَنْ عُثْمَان الْبَتِّيّ أَنَّهُدِرْهَم ، وَعَنْ الْحَسَن أَنَّهُ دِرْهَمَانِ ، وَعَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ أَرْبَعُونَدِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَة دَنَانِير ، وَالصَّحِيح مَا قَالَهُ الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقُوهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيّ r صَرَّحَ بِبَيَانِ النِّصَاب فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثمِنْ لَفْظه وَأَنَّهُ رُبْع دِينَار ، وَأَمَّا بَاقِي التَّقْدِيرَات فَمَرْدُودَةلَا أَصْل لَهَا مَعَ مُخَالَفَتهَا لِصَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيث . وَأَمَّا رِوَايَةأَنَّهُ r ( قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنّ قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم ) فَمَحْمُولَة عَلَىأَنَّ هَذَا الْقَدْر كَانَ رُبْع دِينَار فَصَاعِدًا ، وَهِيَ قَضِيَّة عَيْن لَاعُمُوم لَهَا ، فَلَا يَجُوز تَرْك صَرِيح لَفْظه r فِي تَحْدِيد النِّصَاب لِهَذِهِ الرِّوَايَة الْمُحْتَمَلَة، بَلْ يَجِب حَمْلهَا عَلَى مُوَافَقَة لَفْظه ، وَكَذَا الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ( لَمْ يَقْطَع يَد السَّارِق فِي أَقَلّ مِنْ ثَمَن الْمِجَنّ) مَحْمُولَةعَلَى أَنَّهُ كَانَ رُبْع دِينَار ، وَلَا بُدّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيل لِيُوَافِقصَرِيح تَقْدِيره r . وَأَمَّا مَا يَحْتَجّ بِهِ بَعْض الْحَنَفِيَّة وَغَيْرهمْ مِنْ رِوَايَةجَاءَتْ : ( قَطَعَ فِي مِجَنّ قِيمَتهعَشَرَة دَرَاهِم ) ، وَفِي رِوَايَة : ( خَمْسَة ) ، فَهِيَ رِوَايَة ضَعِيفَة لَايُعْمَل بِهَا لَوْ اِنْفَرَدَتْ ، فَكَيْف وَهِيَ مُخَالِفَة لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثالصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي التَّقْدِير بِرُبْعِ دِينَار مَعَ أَنَّهُ يُمْكِن حَمْلهَاعَلَى أَنَّهُ كَانَتْ قِيمَته عَشَرَة دَرَاهِم اِتِّفَاقًا لَا أَنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَفِي قَطْع السَّارِق ، وَلَيْسَ فِي لَفْظهَا مَا يَدُلّ عَلَى تَقْدِير النِّصَاببِذَلِكَ.
وَأَمَّا رِوَايَة ( لَعَنَ اللَّه السَّارِق يَسْرِق الْبَيْضَة أَوْ الْحَبْلفَتُقْطَع يَده ) فَقَالَ جَمَاعَة : الْمُرَاد بِهَا بَيْضَة الْحَدِيد وَحَبْل السَّفِينَة، وَكُلّ وَاحِد مِنْهُمَا يُسَاوِي أَكْثَر مِنْ رُبْع دِينَار ، وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَهَذَا وَضَعَّفُوهُ ، فَقَالُوا : بَيْضَة الْحَدِيد وَحَبْل السَّفِينَة لَهُمَا قِيمَةظَاهِرَة ، وَلَيْسَ هَذَا السِّيَاق مَوْضِع اِسْتِعْمَالهمَا ، بَلْ بَلَاغَة الْكَلَامتَأْبَاهُ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُذَمّ فِي الْعَادَة مَنْ خَاطَرَ بِيَدِهِ فِي شَيْءلَهُ قَدْر ، وَإِنَّمَا يُذَمّ مَنْ خَاطَرَ بِهَا فِيمَا لَا قَدْر لَهُ فَهُوَ مَوْضِعتَقْلِيل لَا تَكْثِير ، وَالصَّوَاب أَنَّ الْمُرَاد التَّنْبِيه عَلَى عَظِيم مَاخَسِرَ ، وَهِيَ يَده فِي مُقَابَلَة حَقِير مِنْ الْمَال وَهُوَ رُبْع دِينَار ، فَإِنَّهُيُشَارِك الْبَيْضَة وَالْحَبْل فِي الْحَقَارَة ، أَوْ أَرَادَ جِنْس الْبَيْض وَجِنْسالْحَبْل ، أَوْ أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ الْبَيْضَة فَلَمْ يُقْطَع جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَىسَرِقَة مَا هُوَ أَكْثَر مِنْهَا فَقُطِعَ ، فَكَانَتْ سَرِقَة الْبَيْضَة هِيَ سَبَبقَطْعه ، أَوْ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ قَدْ يَسْرِق الْبَيْضَة أَوْ الْحَبْل فَيَقْطَعهُبَعْض الْوُلَاة سِيَاسَة لَا قَطْعًا جَائِزًا شَرْعًا ، وَقِيلَ : إِنَّ النَّبِيّr قَالَ هَذَا عِنْد نُزُول آيَة السَّرِقَة مُجْمَلَةمِنْ غَيْر بَيَان نِصَاب ، فَقَالَهُ عَلَى ظَاهِر اللَّفْظ وَاللَّهُ أَعْلَم.أهـ
نلاحظ : أن قطع اليد لا يكون إلا على ما هو ذو قيمة كبيرة.
ثالثا : إن الدكتور على جمعة أجاب إجابة رائعة في كتاب: حقائق الإسلام فيمواجهةِ شبهاتِ المشككين (الطبعة الرابعة ص546) قائلاً : ولما كان قطع يد السارق يفضحهويسمه بسمة السرقة ويطلع الناس على ما كان منه. فقد أقام الإسلام حراسة على من يتهمبالسرقة ، فلا تقطع يده مع وجود شبهة في أنه سرق كما لا تقطع يده في الشيء المسروقإذا كان تافهاً لا يعتد به ،أو كان في غير حرز بل إن السارق في تلك الحالة يعزر بالضربأو الحبس ، ولا تقطع يده. ومن تلك الضوابط التي وضعتها الشريعة لإقامة حد القطع علىالسارق:
أولاً : أن يكون المسروقشيئاً ذا قيمة أي أن له اعتباراً اقتصاديٍّا في حياة الناس . عن عائشة ـ رضي الله عنهاـ عن النبيِّ r أنه قال: [ تقطع اليد ـ أي يد السارقـ بربع دينار فصاعداً ].
ثانياً : أن يكون المسروقمحروزاً ، أي محفوظاً في حرز.
ثالثاً : أن ما أخذ للأكلبالفم من التمر فهذا لا قطع فيه ولا تعزير.
رابعاً : السرقة في أوقاتالمجاعات لا قطع فيها ولذلك أبطل عمرُ t القطعَ في عام الرمادة حينما عمت المجاعة .
خامسا: العبد إذا سرق شيء ينظرهل سيده يطعمه أم لا ؟ فإن كان لا ، غرم سيده ضعف ثمن المسروق كما فعل سيدنا عمر بنالخطاب ـ رضي الله عنه ـ في غلمان ابن حاطب بن أبى بلتعة حينما سرقوا ناقة رجل من مزينةفقد أمر بقطعهم ولكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد وغرم سيدهم ضعف ثمنالناقة تأديباً له.
والقاعدة أن الحدود تُدْرَء بالشبهات.
وهكذا ينبغي أن تفهم حدود الإسلام في ظل نظامه المتكامل الذي يتخذ أسباب الوقايةقبل أن يتخذ أسباب
العقوبة. فالحدود تمنع من وقوع الجريمة ولذلك نرى على مر التاريخ الإسلاميوعلى مساحة واسعة من بلاد المسلمين أن حد السرقة لم يطبق إلا في أضيق الحدود وبعددمحدود جداً لا يتجاوز العشرات مع كل هذه الملايين من البشر حيث استقر في وجدان المسلمينأن السرقة جريمة من الجرائم السيئة التي تهدد الأمن الاجتماعي والمجتمع في ذاته بحيثتستحق مثل هذه العقوبة البد نية التي تشبه عقوبة الإعدام وعلى قدر عظم الذنب والجرميكون عظم العقاب. وبعض المعاصرين ينطلقون من نموذج معرفي آخر يقدم بدن الإنسان في ذاتهبغض النظر عن أفعاله وجرائمه. وقد خفي عليهم كل هدى سليم ولا حول ولا قوة إلا باللهالعلى العظيم.أهـ
رابعًا: إن الكتاب المقدس ينسب إلى الربِّ أنه يأمر بقطع يد المرآة التيتمسك عضوَ التذكير لرجل أجنبي عنها أثناء عراكه مع زوجها !! جاء ذلك في سفر التثنية 25عدد11«إِذَا تَخَاصَمَ رَجُلاَنِ، رَجُلٌوَأَخُوهُ، وَتَقَدَّمَتِ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا لِكَيْ تُخَلِّصَ رَجُلَهَا مِنْيَدِ ضَارِبِهِ، وَمَدَّتْ يَدَهَا وَأَمْسَكَتْ بِعَوْرَتِهِ، 12فَاقْطَعْيَدَهَا، وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ .
وأتساءل: أليس قطع اليد وحشية ؟! لماذا لم يطعن المعترضون على ذلكالنص ؛ كما طعنوا في حديث النبيِّ r وقالوا ما قالوا ...
ثم إنهناك سؤالاً يفرض نفسه على المعترضين : هو هل حد السرقة في القرآنِ الكريمِ والسنةِ فقط أمأنه ثابت في الكتاب المقدس أيضًا ؟
الجواب: حدالسرقة ثابت في الكتاب المقدس للآتي :
1- سفر الخروج 22 عدد2إِنْوُجِدَ السَّارِقُ وَهُوَ يَنْقُبُ، فَضُرِبَ وَمَاتَ، فَلَيْسَ لَهُ دَمٌ..
2-سفر التثنيه24 عدد 7«إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ قَدْ سَرَقَنَفْسًا مِنْ إِخْوَتِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتَرَقَّهُ وَبَاعَهُ، يَمُوتُذلِكَ السَّارِقُ، فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ.
3- سفر زكريا 5 عدد3فَقَالَلِي: «هذِهِ هِيَ اللَّعْنَةُ الْخَارِجَةُ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. لأَنَّكُلَّ سَارِق يُبَادُ مِنْ هُنَا بِحَسَبِهَا، وَكُلَّ حَالِفٍ يُبَادُ مِنْهُنَاكَ بِحَسَبِهَا. 4إِنِّي أُخْرِجُهَا، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ،فَتَدْخُلُ بَيْتَ السَّارِقِ وَبَيْتَ الْحَالِفِ بِاسْمِي زُورًا، وَتَبِيتُ فِيوَسَطِ بَيْتِهِ وَتُفْنِيهِ مَعَ خَشَبِهِ وَحِجَارَتِهِ».
قلتُ : إن الواضح من خلال ما سبق أن حد السرقة في الكتاب المقدس هو( القتل ) ، وليس قطع اليد فهو لا يمنح للإنسان فرصة للتوبة والحياة .....
وأقول للمعترضينكما قالوا في شبهتهم : أليست هذه وحشية ...؟!
وأتساءل: أليست هذه النصوص أمر من اللهِ لموسى u ولغيرِه من الأنبياء فلماذا لا يطبقونها ؟
وأين النصُ الذي منعهم عن تطبيق هذا الحد ؟
أم هل هذا من النسخِ عندهم ؟ فإذا كان كذلك فأينهو الدليل الناسخ؟
ثمإن إنجيل متى ينسب إلى يسوع المسيح أنه قال في الإصحاح 18 عدد 8 فَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَاعَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْرَجَ أَوْ أَقْطَعَ مِنْ أَنْتُلْقَى فِي النَّارِ الأَبَدِيَّةِ وَلَكَ يَدَانِ أَوْ رِجْلاَنِ. 9وَإِنْأَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. خَيْرٌ لَكَ أَنْتَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تُلْقَى فِي جَهَنَّمِ النَّارِ وَلَكَ عَيْنَانِ.
قلتُ : إن هذه النصوص واضحةٌ الدلالةٌ على جوازِ قطعِ الأيدي ، والأرجل،بل وقلع الأعين ؛حينما يكونون معسرةً للإنسانوعائقًا بينه وبين دخول الحياة الأبدية (الجنة ) ، فذلك أفضل له من أن يُلقى به فينار جهنم ..
2- صحيح البخاري كِتَاب (الْحُدُودِ ) بَاب ( قَوْلِاللَّهِ I : ] وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [. وَفِي كَمْ يُقْطَعُ وَقَطَعَ عَلِيٌّ مِنْ الْكَفِّ وَقَالَ قَتَادَةُ فِي امْرَأَةٍسَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ) برقم 6291 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُبْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ r:" تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ".
3- صحيح مسلم كِتَاب( الْحُدُودِ ) بَاب ( حَدِّ السَّرِقَةِ وَنِصَابِهَا) برقم 3190 و حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِوَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ وَاللَّفْظُ لِلْوَلِيدِوَحَرْمَلَةَ قَالُوا حَدَّثَنَا: ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍعَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ :" لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّافِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ".
· الرد على الشبهة
أولا : إن من مقاصدِ الشريعةِ الإسلاميةِ: حفظ الدين ، وحفظ النفس، وحفظ العقل ، وحفظالعرض وحفظ المال...
قالالإمامُ النوويُّ - رحمه اللهُ - في شرحِه :
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: صَانَاللَّه تَعَالَى الْأَمْوَال بِإِيجَابِ الْقَطْع عَلَى السَّارِق ، وَلَمْ يُجْعَلذَلِكَ فِي غَيْر السَّرِقَة كَالِاخْتِلَاسِ وَالِإنْتِهَاب وَالْغَصْب ؛ لِأَنَّذَلِكَ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّرِقَة ؛ وَلِأَنَّهُ يُمْكِن اِسْتِرْجَاعهَذَا النَّوْع بِالِاسْتِدْعَاءِ إِلَى وُلَاة الْأُمُور ، وَتَسْهُل إِقَامَة الْبَيِّنَةعَلَيْهِ ، بِخِلَافِ السَّرِقَة فَإِنَّهُ تَنْدُر إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهَا، فَعَظُمَ أَمْرهَا ، وَاشْتَدَّتْ عُقُوبَتهَا لِيَكُونَ أَبْلَغ فِي الزَّجْر عَنْهَا. أهـ
قلتُ: إن السرقةَ من أكبرِالجرائم التي تنفر منها النفوسُ والتيتتنافي مع مقاصدِ الشريعةِ ،وتتنافي مع الإيمانِ الصحيح .... ثبت في صحيح البخاري برقم 6284 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَاللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ:" لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِيوَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ".
وعليه فإن الحدودَ التي شرعها اللهُ I تساعدُ على استقرار الأمن الحقيقيللمجتمعِ والأسرِ، وعلى العكس من ذلك فإننا نجد أن القوانين الوضعية التي منبعهاالغرب تساعد على نمو الإجرام وانتشاره ... مثال ذلك: فالحبس يدخل فيهالمجرم صغيرًا ويخرج منه مجرمًا كبيرًالتعرّفه هناك على مجرمين أكبر منه خبرةً....
إن قيل:إن السارق بعد قطع يده يعيش عالة على المجتمع لا يعمل ...
قلتُ : إن العقوبةَلا تنص على قطع كلتا يديه ؛ وإنما قطع يدٍ واحدةٍ فقط من الرسغ ، كما أن تحمل شخصواحد المشقة أخف من إيذاء الألوف الأبرياء الذين لا ذنب لهم .
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى