هل آدم عصى ربَّه؟!
الثلاثاء نوفمبر 09, 2010 11:14 pm
هل آدم عصى ربَّه؟!
ذكر المعترضون شبهةً حول عصمةِ نبيِّ اللهِ آدم تقول: آدم عصى الله ،وأكل من الشجرةِ بنصِ القرآنِ ...
فلماذا يؤمن المسلمون بأن الأنبياء معصومون ومنهم آدم... ؟!
وتعلقوا بقول اللهِ : وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) (طه)
الرد على الشبهة
أولاً:إن المسلمين يعتقدون أن الأنبياءَ معصومون من الكبائرِ دون الصغائرِ ،وأن فعلوا صغيرة تابوا إلى الله منها فهم لا يصرون على فعلِ صغيرةِ، ولا يقعون في محقراتِ الصغائرِ..... وهذا مذهب ابنِ تيميةَ والجماهيرِ من أهلِ العلم .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: القول بأن الأنبياءَ معصومون من الكبائرِ دون الصغائرِ هو قول أكثرِ أهل العلم , و جميع الطوائف, حتى أنه قول أكثر أهل الكلام, كما ذكر أبو الحسن الأمدى أن هذا قول أكثر الأشعرية , و هو أيضاً قول أهل التفسير و الفقهاء , بل لم ينقل عن السلف و الأئمة و الصحابة و التابعين و تابعيهم إلا ما يوافق هذا القول...أهـ
يدلل على ما سبق ما ثبت في الآتي:
1- سنن الترمذيُّ وابنُ ماجة والحاكم وصححه الألبانيُّ في صحيحِ الترغيبِ والترهيبِ برقم 3139 عن أنس -رضي الله عنه- أن النبيَّ r قال :"كلُّ ابنِ آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".
2- مسند أحمد برقم 2788 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِr قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ». السلسلة الصحيحة للألباني برقم 2984.
وبالتالي فإن الأنبياء قد تقع منهم بعض الصغائر ،وهي ليست كالصغائر التي نقع نحن فيها وهي من باب( حسنات الأبرار سيئات المقربين )..........
وعليه فآدم لم يقترف كبيرةً من الكبائر؛ وإنما هي زلة من الشيطان ...قال : فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيه) (البقرة).
فما وقع من آدم زلة لما كان ناسيًا ؛ يقول : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) (طه).
جاء في التفسيرِ الميسرِ : ولقد وصينا آدم مِن قَبلِ أن يأكل من الشجرة، ألا يأكل منها، وقلنا له: إن إبليس عدو لك ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى أنت وزوجك في الدنيا، فوسوس إليه الشيطان فأطاعه، ونسي آدم الوصية، ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما أُمر به. أهـ
نلاحظ أن آدمَ لم يكن متعمدًا للمعصيةِ ، والله لا يؤاخذ إلا على التعمدِ لقولِه : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) (الأحزاب)
إذًا القرآن الكريم أعتبر النسيان عصيان نظرًا لمقامِ آدمَ ؛لأن ليس كبقيةِ البشرِ اصطفاه اللهُ ،وخلقه بيده ،ونفخ فيه من روحه ،وأسكنه جنته، وأسجد له ملائكته ،وعلمه الأسماء كلها فكيف ينسى العهد الذي بينه وبين الله ؟! فكما تقدم ليست معصية، ولكن هذا من( باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ) فالإنسان ما سمي إنسانًا إلا لأنه كثيرَ النسيان.
ثانيًا : إن آدمَ لم يكن يظن أن هناك خلقًا من خلقِ اللهِ يحلفُ باللهِ كذبًا، فصدق إبليسَ لما أقسم له أنه سيكون خالدًا... وذلك من قوله : وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) (الأعراف)
جاء في تفسيرِ ابنِ كثير:عن ابنِ عباسٍ قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة. فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وَرقَ التين، يلزقان بعضه إلى بعض. فانطلق آدم، ، موليا في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من الجنة، فناداه: يا آدم، أمني تفر؟ قال: لا ولكني استحييتك يا رب. قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة، عما حرمت عليك. قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قوله، { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }..... أهـ
وعليه فهذا يدل على طيبة قلبه وعدمِ تعمدِه للمعصيةِ.....
ثالثًا : إن المعصيةَ كانت قبل النبوةِ أي: قبل أن يكون آدمُ نبيًّا بدليل قوله بعد أن تاب على آدم: ُثمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ( طه)
وعليه فأننا نقول للمعترضين إن المطعنَ على النبيِّ أو الرسولِ لا يكون إلا في أثناءِ نبوته أو رسالته ،وليس قبل ذلك...
رابعًا : إن اللهَ تاب على آدمَ فذكر توبتَه بعد الآيةِ التي تعلق بها المعترضون وفي مواضع أُخر...
تدلل على ذلك أدلة منها:
1- قوله: وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) (طه) .
2- قوله : فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) ( البقرة).
3- روى الحاكم في المستدرك كتاب( تواريخ المتقدمين من الأنبياء و المرسلين ) باب (ذكر آدم ) برقم 4002 عن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما -، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قال : أي رب ألم تخلقني بيدك ؟ قال : « بلى » . قال : أي رب ، ألم تنفخ في من روحك ؟ قال : « بلى » . قال : أي رب ، ألم تسكني جنتك ؟ قال : « بلى » . قال : أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : « بلى » . قال : أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : « بلى » . قال : فهو قوله ( فتلقى آدم من ربه كلمات « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » .يقول الألباني في كتابه التوسل: وقال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
4- قوله : قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) (الأعراف) .
رأينا أن الله تاب عليهما لأنه أرحم الراحمين ،وبعدها يحذر بني آدم بتحذيرٍ رقيقٍ لرحمتِه بهم حتى لا يكون للشيطان عليهم سبيلا يقودهم للمهالك؛ يقول: يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) (الأعراف)
خامسًا :إن قيل :هناك سؤالٌ يفرض نفسه هو: لما تاب اللهُ على آدمَ وحواء وأمراهما بالهبوط للأرض لماذا لم يرجعهما إلى الجنة مرة أخري طالما أنه تاب عليهما ؟
قلتُ :إن الجوابَ يكون على وجهين :
الأول : أن اللهَ قبل أن يخلق آدم بين أنه جاعلٌ في الأرضِ خليفة ؛ يقول : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .. (30) (البقرة)
نلاحظ جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ،ولم يقل: إني جاعلٌ في الجنةِ خليفة، فاللهُ بعلمِه القديم كان يعلم أن آدمَ سيكون خليفته في الأرض....
الثاني :أن اللهَ لما اسكن آدم وحواء الجنة اسكناهما إياها بشرطٍ في قولِه: وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) (البقرة)
نلاحظ أن الشرطَ هو عدم قربِهما من الشجرةِ ،ولكنهما خالفا الشرط فأكل منها ...
سادسًا : إن الناظرَ في الكتابِ المقدس يجده ينسب لربِّ العالمين الجهل بمكانِ آدم ،وذلك لما أكل من الشجرة اختباء من ربِّه ، والربُّ لا يعلم مكانه..... نجد ذلك في سفر التكوين إصحاح 3 عدد 8وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». 11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ».....
ونجد بعدها أن الربَّ يبين سبب الألم المرآة عند الحبل والوضع 16وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».17وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».
نلاحظ أن سبب المعصية المرأة ،وذلك بحسب الكتاب المقدس، ويقول بولس الرسول في رسالته الأولي إلى تِيمُوثَاوُسَ إصحاح 2 عدد14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي.
ثم إن المتأمل في الكتابِ المقدس يجد أن اللهَ تاب على آدم، وليست هناك خطيئة أصلية تحتاج إلى فداءٍ وصلبٍ ؛ نجد ذلك في سفر التكوين إصحاح 3 عدد 21وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا
نلاحظ أن الربََّ صنع بنفسِه لهما هذه الأقمصة !! إلا يدل ذلك على غفران اللهِ لذنبهما ؟
ثم إن المسيحَ ما ذكر اسمَ آدم في الأناجيل قط ...
ويبقى السؤال: كيف آتوا بهذه العقيدة ؟!
ثم إن الأعجب مما سبق أن عقيدة المنصرين في عصمة البطاركة و القديسين أنهم لا يخطئون منذُ مولدهم إلى موتهم , و تظل معهم في قبرهم فيعملون المعجزات ولا تهلك أجسادهم....
ذكر المعترضون شبهةً حول عصمةِ نبيِّ اللهِ آدم تقول: آدم عصى الله ،وأكل من الشجرةِ بنصِ القرآنِ ...
فلماذا يؤمن المسلمون بأن الأنبياء معصومون ومنهم آدم... ؟!
وتعلقوا بقول اللهِ : وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) (طه)
الرد على الشبهة
أولاً:إن المسلمين يعتقدون أن الأنبياءَ معصومون من الكبائرِ دون الصغائرِ ،وأن فعلوا صغيرة تابوا إلى الله منها فهم لا يصرون على فعلِ صغيرةِ، ولا يقعون في محقراتِ الصغائرِ..... وهذا مذهب ابنِ تيميةَ والجماهيرِ من أهلِ العلم .
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية: القول بأن الأنبياءَ معصومون من الكبائرِ دون الصغائرِ هو قول أكثرِ أهل العلم , و جميع الطوائف, حتى أنه قول أكثر أهل الكلام, كما ذكر أبو الحسن الأمدى أن هذا قول أكثر الأشعرية , و هو أيضاً قول أهل التفسير و الفقهاء , بل لم ينقل عن السلف و الأئمة و الصحابة و التابعين و تابعيهم إلا ما يوافق هذا القول...أهـ
يدلل على ما سبق ما ثبت في الآتي:
1- سنن الترمذيُّ وابنُ ماجة والحاكم وصححه الألبانيُّ في صحيحِ الترغيبِ والترهيبِ برقم 3139 عن أنس -رضي الله عنه- أن النبيَّ r قال :"كلُّ ابنِ آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ".
2- مسند أحمد برقم 2788 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِr قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا ». السلسلة الصحيحة للألباني برقم 2984.
وبالتالي فإن الأنبياء قد تقع منهم بعض الصغائر ،وهي ليست كالصغائر التي نقع نحن فيها وهي من باب( حسنات الأبرار سيئات المقربين )..........
وعليه فآدم لم يقترف كبيرةً من الكبائر؛ وإنما هي زلة من الشيطان ...قال : فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيه) (البقرة).
فما وقع من آدم زلة لما كان ناسيًا ؛ يقول : وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) (طه).
جاء في التفسيرِ الميسرِ : ولقد وصينا آدم مِن قَبلِ أن يأكل من الشجرة، ألا يأكل منها، وقلنا له: إن إبليس عدو لك ولزوجك، فلا يخرجنكما من الجنة، فتشقى أنت وزوجك في الدنيا، فوسوس إليه الشيطان فأطاعه، ونسي آدم الوصية، ولم نجد له قوة في العزم يحفظ بها ما أُمر به. أهـ
نلاحظ أن آدمَ لم يكن متعمدًا للمعصيةِ ، والله لا يؤاخذ إلا على التعمدِ لقولِه : وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (5) (الأحزاب)
إذًا القرآن الكريم أعتبر النسيان عصيان نظرًا لمقامِ آدمَ ؛لأن ليس كبقيةِ البشرِ اصطفاه اللهُ ،وخلقه بيده ،ونفخ فيه من روحه ،وأسكنه جنته، وأسجد له ملائكته ،وعلمه الأسماء كلها فكيف ينسى العهد الذي بينه وبين الله ؟! فكما تقدم ليست معصية، ولكن هذا من( باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ) فالإنسان ما سمي إنسانًا إلا لأنه كثيرَ النسيان.
ثانيًا : إن آدمَ لم يكن يظن أن هناك خلقًا من خلقِ اللهِ يحلفُ باللهِ كذبًا، فصدق إبليسَ لما أقسم له أنه سيكون خالدًا... وذلك من قوله : وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) (الأعراف)
جاء في تفسيرِ ابنِ كثير:عن ابنِ عباسٍ قال: كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة. فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وَرقَ التين، يلزقان بعضه إلى بعض. فانطلق آدم، ، موليا في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من الجنة، فناداه: يا آدم، أمني تفر؟ قال: لا ولكني استحييتك يا رب. قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة، عما حرمت عليك. قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قوله، { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ }..... أهـ
وعليه فهذا يدل على طيبة قلبه وعدمِ تعمدِه للمعصيةِ.....
ثالثًا : إن المعصيةَ كانت قبل النبوةِ أي: قبل أن يكون آدمُ نبيًّا بدليل قوله بعد أن تاب على آدم: ُثمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ( طه)
وعليه فأننا نقول للمعترضين إن المطعنَ على النبيِّ أو الرسولِ لا يكون إلا في أثناءِ نبوته أو رسالته ،وليس قبل ذلك...
رابعًا : إن اللهَ تاب على آدمَ فذكر توبتَه بعد الآيةِ التي تعلق بها المعترضون وفي مواضع أُخر...
تدلل على ذلك أدلة منها:
1- قوله: وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) (طه) .
2- قوله : فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) ( البقرة).
3- روى الحاكم في المستدرك كتاب( تواريخ المتقدمين من الأنبياء و المرسلين ) باب (ذكر آدم ) برقم 4002 عن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما -، فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه قال : أي رب ألم تخلقني بيدك ؟ قال : « بلى » . قال : أي رب ، ألم تنفخ في من روحك ؟ قال : « بلى » . قال : أي رب ، ألم تسكني جنتك ؟ قال : « بلى » . قال : أي رب ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ قال : « بلى » . قال : أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة ؟ قال : « بلى » . قال : فهو قوله ( فتلقى آدم من ربه كلمات « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » .يقول الألباني في كتابه التوسل: وقال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
4- قوله : قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) (الأعراف) .
رأينا أن الله تاب عليهما لأنه أرحم الراحمين ،وبعدها يحذر بني آدم بتحذيرٍ رقيقٍ لرحمتِه بهم حتى لا يكون للشيطان عليهم سبيلا يقودهم للمهالك؛ يقول: يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) (الأعراف)
خامسًا :إن قيل :هناك سؤالٌ يفرض نفسه هو: لما تاب اللهُ على آدمَ وحواء وأمراهما بالهبوط للأرض لماذا لم يرجعهما إلى الجنة مرة أخري طالما أنه تاب عليهما ؟
قلتُ :إن الجوابَ يكون على وجهين :
الأول : أن اللهَ قبل أن يخلق آدم بين أنه جاعلٌ في الأرضِ خليفة ؛ يقول : وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً .. (30) (البقرة)
نلاحظ جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ،ولم يقل: إني جاعلٌ في الجنةِ خليفة، فاللهُ بعلمِه القديم كان يعلم أن آدمَ سيكون خليفته في الأرض....
الثاني :أن اللهَ لما اسكن آدم وحواء الجنة اسكناهما إياها بشرطٍ في قولِه: وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) (البقرة)
نلاحظ أن الشرطَ هو عدم قربِهما من الشجرةِ ،ولكنهما خالفا الشرط فأكل منها ...
سادسًا : إن الناظرَ في الكتابِ المقدس يجده ينسب لربِّ العالمين الجهل بمكانِ آدم ،وذلك لما أكل من الشجرة اختباء من ربِّه ، والربُّ لا يعلم مكانه..... نجد ذلك في سفر التكوين إصحاح 3 عدد 8وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. 9فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». 10فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». 11فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» 12فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ».....
ونجد بعدها أن الربَّ يبين سبب الألم المرآة عند الحبل والوضع 16وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ».17وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ».
نلاحظ أن سبب المعصية المرأة ،وذلك بحسب الكتاب المقدس، ويقول بولس الرسول في رسالته الأولي إلى تِيمُوثَاوُسَ إصحاح 2 عدد14وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي.
ثم إن المتأمل في الكتابِ المقدس يجد أن اللهَ تاب على آدم، وليست هناك خطيئة أصلية تحتاج إلى فداءٍ وصلبٍ ؛ نجد ذلك في سفر التكوين إصحاح 3 عدد 21وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا
نلاحظ أن الربََّ صنع بنفسِه لهما هذه الأقمصة !! إلا يدل ذلك على غفران اللهِ لذنبهما ؟
ثم إن المسيحَ ما ذكر اسمَ آدم في الأناجيل قط ...
ويبقى السؤال: كيف آتوا بهذه العقيدة ؟!
ثم إن الأعجب مما سبق أن عقيدة المنصرين في عصمة البطاركة و القديسين أنهم لا يخطئون منذُ مولدهم إلى موتهم , و تظل معهم في قبرهم فيعملون المعجزات ولا تهلك أجسادهم....
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى