هل عذاب القبر ونعيمه حقيقة أم لا؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
مبحث بعنوان
هل عذاب القبر ونعيمه حقيقة أم لا؟!
من الأمور التي كنت أخفيها وظلت حبيسة عقلي إلى هذه اللحظة موضوع هام يتعلق بمصير كل مسلم، بل كل إنسان ...ألا وهو :مصير المسلم بعد موته، أين تعيش روحه(نفسه)؟

وما هو نعيم القبر أو عذابه؟
يجب أن نعلم حقيقة الموت بأنه هو انفصال الروح عن الجسد، فالموت لا يعني موت الروح؛ بل لها حياة برزخيه يعلم الله كيفيتها ...
كما أن هناك فرق كبير بين القبر والمقبرة ؛ فالقبر: فيه تحبس الروح في مكان محدد في الجنة للمؤمن كما سأبين -إن شاء الله-، وأما المقبرة : فهو مكان لحبس الجسد.

بحثي هذا قصير يدور حول حياة روح المؤمن بعد الموت الدنيوي ، أعني -الحياة البرزخية – أقول مستعينًا بالله تعالى : إن روح المؤمن الصالح حينما تخرج من جسده تدخل مكانًا في الجنة مباشرة دون أي فلسفات أو ترهات...

المطلب الأول: الفرق بين الروح والنفس:
أولًا: الروح:
إن الإنسان يتكون من عنصرين لا ثالث لهام هما: الجسد والروح وكلاهما يسمى( نفس) أو يُسمى (إنسان)
فالجسد بلا روح لا قيمة لا يصبح ميتًا، فالروح هي تحركه وتنشطه...
فإن غادرت الجسدَ انتفت عنه صفحة الحياة، ويطلق عليه لفظ (ميت) جسد بلا روح، وتجري عليه أحكام تكريم الجسد حيث إخفاء جسده بطريقة حسنة لا أكثر، وقد اختلفت الأديان والأعراف بشأن إخفاء جثة الميت؛ فتجد ُطرقًا عجيبة قديما وحديثًا بصور شتى وأمورٍ عجبًا...

والحقيقة أن أسماء بنت أبي بكر قد صدقت
لما قال لها ابنُها(عبد الله بن الزبير ) حين شعر بقرب أجله ومقتله، وذلك جاء الحجاج بن يوسف الثقفي للقضاء على فتنته وقتله...
ففي اللحظات الفارقة الماحقة ذهب إلى أمه وقال:" يا أماه أخشى أن يمثلوا بجسدي"! ، فقالت الأم العظيمة كلمات جميلات حكيمات: "يا بني اذهب فلن يضر الشاة سلخها بعد ذبحها...".
وهذا معنى عميق ودقيق وحقيق على الإنسان أن يقف عنده المرات والكرات؛ فالمعنى الواضح من الكلمات أن الإنسان بعد خروج روحه لا يشعر بأي شعور يحدث في جسده من تنكيل وتمثيل....
بل يحتاج الجسد إلى إكرام دفنه، حتى نعبر عن احترامنا له، ولأهله في هذه الدنيا،كما ويمنع عن الآخرين الأذى بخروج رائحة مزعجة ممرضة إذا لم يدفن أو يحرق أو يترك للصقور كطعام أو يُحنط... فالدفن من شرعنا وغيرنا، وغيره ليس منا....
هذا ما يتعلق بأحكام الدنيا وما بها وكما سبق كل له طريقة بحسب دينه فمنهم من يحرقها بالنار ، ومن من يقطعها أربا ويرميها للطيور الجارحة كطعام .... وقد أمرنا النبي الكريم الإسراع بدفن الميت وتكريمه ، كما كان من شأن الأنبياء قبله.....

الروح في القرآن والسنة معناها (الحياة): فتأتي بمعنى حياة القلوب السعيدة والخالية من العيوب، كما أشار علام الغيوب بأن القرآن هو روح (حياة القلوب) ؛قال تعالى :" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)"(الشورى).

سمى الله كتابه بالروح لحياة القلوب والسعادة لمن تبعه ويئوب...

أما الروح التي تتعلق بالإنسان، فهي الحياة الحقيقية وليست معنوية مجازية كسابقتها ... الروح هي الحياة ؛ أمرُها مجهول وسيظل مجهولًا أبدًا أبديًّا مهما بلغ العلم عتيًّا؛ تبدأ بحياة الجنين في شهره الثالث وتظل معه ولا تفارقه إلا عند موته... قال النبي محمد: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
لا نعرف أين تسكن في الجسد تحديدًا؟ وكيف تحرك الجسد، فكامل معرفتها غير ممكن يقينًا ... قال تعالى : وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)(الإسراء).


ثانيًا: النفس :

نعلم جميعًا أن آدم عليه السلام كان جسدًا، ثم نفخ الله فيه الروح (من روحه) ثم سكن الجنة فأصبح وحيدًا من غير أنيس، فخلق من ضلعه وهو نائم حواء لتكن خير جليس؛ ثم تكاثر النسل البشرى....سمى الله آدم بعد كمال جسده وروحه ( نفسًا ) وذلك لما قال:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)"(النساء)

وقال:" وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)"(الأنعام).

فكلمة نفس تعني إنسان مكون من جسد+روح هذه النفس تتعب نفسيا وتتعب جسديا ...
وهذه النفس (جسد + روح) تحاسب يوم القيامة تنعم وتعذب حسابًا حسيًّا ومعنويًّا...

جاء ذلك في مواطن عدة من القرآن الكريم منها ما يلي:

1-قوله : وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) (البقرة)

1- قوله : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)(آل عمران)
2- قوله : فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25) (آل عمران)

3- قوله : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30) (آل عمران)
4- قوله : وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)(الأنعام)

5- قوله : هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)(يونس)

6- قوله : وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) (يونس)
7- قوله : يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)(هود).

8- قوله : لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51)(إبراهيم).

9- قوله : يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)(النحل).

قوله : إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)(طه)

وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)(الأنبياء)

إذًا:الله سوف يحاسب يوم القيامة الإنسان الكامل (جسد+ روح) المسمى بالنفس، فلا يحاسبا جسدا منفردا أو روحا منفردة ،بل يحاسب نفسا ....

إن الروح هي الحياة تبدأ بدخولها الجنين في أربعين يوما وتذهب عند انقضاء وقتها المحسوم، ثم تكون في عالم غير مشهود، وترجع إلى الجسد في اليوم المعلوم فتحاسب، فأعضاء الجسد عينها الشهود...
قال تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)(النور).

وقال تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)(آل عمران)
فالنعيم والعذاب بعد أن تلتقي الروح بالجسد ليصبحا نفسا كما كان في الدنيا وحينها يكون الحساب فمن عمل صالحًا بروحه وجسده في قد فاز ومن ظلمها فقد خاب؛ ثم الجنة أو النار مأب.
فهذا هو الفارق بين النفس والروح ؛فالنفس تعني إنسان له روح وأركان، تسعى إلى شهوات وملذات، فمنها اللوامة صاحبة العتاب، ونهايتها نعيم ولا حساب إلا يوم التباب، فإن السؤال وحده فيه هلكة وعذاب ؛قال ص: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ"(صحيح البخاري)
فما دخول الجنة إلا برحمة الله، لمن كان الخير وحسن الآخرة مسعاه... قال تعالى: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)(الإسراء).

وما دخول النار إلا بعدل الله، لما كان الشر والضلال مسعاه...

قال تعالى : قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)(الكهف).
فاجتماع العنصرين معًا يصبحا نفسًا كلاهما مكلف يخدم بعضهم بعضًا...

لم يسم الله الإنسان الحي إلا (بالنفس) ليس إلا...

جاء ذلك في عدة مواضع من الكتاب والسنة منها ما يلي:

1-قال تعالى حاكيًّا عن امرأة عزيز مصر : وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)(يوسف).

2-قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)(يونس).

3- قال تعالى إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) (لقمان)
4- قال تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) (الحشر)

5-قال النبي محمد قال: " إنَّ رُوح القُدسِ نَفَثَ في رُوعي أنه لن تَمُوتَ نفس حتى تستكمل رِزْقها وأجَلَها ".رواه البيهقي

ما سبق بيانه يؤكد أن النفس هي الإنسان فإذا جاء أجلها بعد اكتمال الرزق والأجل لا تسمى نفسًا ، فبعد الأجل يسمى الإنسان ميت، متوفى ، إلى أن يقف مُحاسَبًا أمام ربه –يوم القيامة- فحينها يسمى نفسًا لاجتماع العصرين معًا (الجسد+ الروح).

ويمكن أن تطلق النفس على الروح فقط أو الجسد فقط أو كليهما - وهذا قليل في أشعار العرب- وأراه بعيدا شرعًا ووصفًا....


المبحث الثاني: مكان الروح بعد خروجها من الجسد:

يدفن الجسد في المقبرة، وتبقى الروح مع الأرواح في مكان معلوم متاح؛ فالمؤمن يكون في جنة بها أفراح، والكافر في مكان بلا براح، لا يشعر بشيء إلا عند التقاء الأجساد بالأرواح... يظل ذلك الحال إلى أن تُقام الساعة، فتخرج الروح من مكانها كي ترد إلى أجسادها، وهذا هو البعث والنشور من القبور... ويبقى الحساب نعيم أو عذاب على ما أسلفوا في الدنيا من أيام دهور...

بيان أدلة ما سبق كما يلي:

أولًا:بالنسبة لروح المؤمن :

قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يُبْعَثُ".(رواه ابن ماجة)

وفي رواية في مسند أحمد برقم 15217 عن كَعْب بْن مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ إِذَا مَاتَ طَائِرٌ يَعْلُقُ بِشَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ".

ويستثنى من ذلك الشهداء السعداء، فهم في جنة أعلى مقامًا وجمالًا يرزقون ...
قال تعالى في حقهم : "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) " (آل عمران).
وفي وسبب نزولها جاء في سنن أبي داود برقم 2158 - عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. تحقيق الألباني: حسن.

إذًا نلاحظ :أن النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيّن أن روح المؤمن بعد الموت تكون معلقة في بقعة محددة معلقة كطير في شجر من الجنة وأما الشهداء فأرواحهم في مكان أعلى كما جاء في الحديث الذي
سبق ذكره في سنن أبي داود؛ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ". جزاءا وفاقا قبل الحساب فكفى ببارقة السيوف فتنة ، وكلاهما عند الحساب يستبشر أنه يأخذ الكتاب بيمينه؛ لأنه كان في جزء من الجنة فحينها يقول :" إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ "أي : تيقنتُ ، فيقول تعالى : " فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) " (الحاقة).

نلاحظ :أن النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيّن أن روح المؤمن بعد الموت تكون معلقة في في بقعة محددة من الجنة وأما الشهداء فأرواحهم في مكان أعلى كما جاء في الحديث الذي سبق ذكره في سنن أبي داود؛ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ".

إذًا: من خلال ما تقدم من أدلة واضحة هو أن روح المؤمن بعد الموت تكون في جزء من الجنة(روضة من رياض الجنة) كما قال النبي : إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ، وذلك
إلى أن تقام الساعة فترد الروح إلى الجسد كي يحدث الحساب على ما أسلف في دنياه فيستبشر أنه يأخذ الكتاب بيمينه؛ لأنه كان في جزء من الجنة فحينها يقول :" إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ "أي : تيقنتُ ، فيقول تعالى : " فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) " (الحاقة).

وهذا أنس بن النضر يشم رائحة الجنة قبل استشهاده في أحد كما في صحيح مسلم برقم2595 يقول :وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ.
فهذا الصحابي الجليل قد فتح الله جوارحه مسامه ليرى مكانه في الجنة ، ولم ير مقبرة في الأرض فيها نعيم أو عذاب..

3- جاءت أم حارثة إلى النبي محمد-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسأل عن مصير ابنها، أين مكانه بعد أن قُتل في سبيل الله ؟ فأخبرها النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن روح ابنها في الجنةِ ؛ بل في الفردوس الأعلى لأنه شهيد... جاء ذلك في صحيح البخاري برقم 2598 عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ :"يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى".

فمن يقول: إن نعيم القبر أو عذابه في باطن الأرض، فقد خالف الكتاب وصحيح السنة ، فما مصير من يقتل بقنبلة فتتطاير أشلاؤه كيف يعذب أو ينعم حينها؟

وما هو مصير من تأكله سمكة قرش؟ كيف يعذب أو ينعم ؟ كيف يضيق عليه قبره وتختلف اضلاعه التي بلا جسد ...؟!!

ثانيا : بالنسبة لغير المؤمن :
يبشر بمقعده في النار فور وفاته .... يظل منقطعا عن اليقظان كأنه نائم غير إلى أن يبعث الرب العباد فتستبشر روحه بالعذاب ....
قال تعالى حاكيا عنهم : قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) (يس) .
وقال تعالى : وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)(يونس).
إذًا: إن روحهم كانت تشبه النائم لم تشعر بأي شيء أبدا و عند إيقاظهم من مرقدهم استبشروا بالوعيد ....
وقال تعالى : وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)(النحل).
جاء في صحيح البخاري برقم 1290 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

وقد استثنى الله من الكفار صنفا واحدا لقب (بال فرعون) لا يدرون شيئا إلا بمنظر يعرض أمامهم مرتين يوميا (بكرة وعشيا) ألا وهو النار وبعد الحساب أَشَدَّ الْعَذَابِ...قال تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)(غافر).
وأما غير ال فرعون فلا حساب ولا عذاب إلا في يوم التباب...... قال تعالى : " وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) (الكهف) .
لم يروها بعد!!!

هذه هي سنن الله مع الأرواح من بدايتها إلى نهايتها حتى تلتقي بالجسد لتصبح نفوسا سعيدة أبدا أو تعيسة أبدا..
عالم الأرواح عالم غيبي ولسنن الله بعض الرحمات عند نومه لا عند الممات...قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)(الزمر).
والمعنى: ليس كما فهم البعض من أن الأرواح تلتقي في نوم من نام بمن مات دقائق ولحظات... بالمعنى أن الله يضرب للإنسان بيانا لنؤمن بعظمته امتثالا ؛ فروح الميت ترسل وتمسك عند المكان السابق ذكره بحسب عمله ومن هذه الآية أقوى دليل كذب من قال إن روح الميت تصعد إلى ربها ثم تنزل في قبره لتحاسب مع جسده ، كيف ذلك وهي عند الله قد امسكها؟!
وأما النائم لا تغادر روحه إلا بعد استكمال اجلها رغم توقف عملها في حال اليقظة دلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر.
وقبل نهاية المطاف أطمئن كل من خاف من عذاب القبر الذي عذبَ المؤمنين بلا حق ولا دين ، عذاب القبر ليس له وجود في كتب السابقين ولا على ألسنة الأنبياء المرسلين بدءًا من نوح إلى موسى ومنْ بعده؛ فتوراة موسى وتاريخها تحكي أن لا عذاب قبل يوم الحساب ، وعلى هذا صار الدين إلى أن جاء المسيح عيسى الذي جاء مكملًا لشريعة موسى؛ لم يغير ولم يبدل إلا أنه كان يعمل مُصلحا لما أُدخل عليها من فساد وضلال من الكتبة والكهنة المنافقين...اكتفي هنا فقط بما جاء في سفر الأصحاح
وعلى هذا فإن حُوسب أتباع الأنبياء السابقين بعذاب في القبر أو نعيم فأن الله ظلام لهم أجمعين؛ إذ لم يخبر المرسلين عن هذا الحساب المبين –حاشاه ذلك – فما ربنا بظلام للعالمين...

وأخيرا أقول: لا وجود لا عذاب القبر والنعيم فلم يرد أبدًا في القرآن الكريم ، والأخبار عنه في سنن النبي الكريم ليست صحيحة ؛ كلها سنن آحاد لا عمل لها في العقائد ؛ بل مكذوبة ودخيلة على الدين من اليهود الحاقدين؛ فالأخبار بعضها بعضا فتبدأ بيهودية تخبر عائشة أن هناك عذاب في القبر للميتين،فيرد النبي ويقول هذا كذب مبين ، ثم تأتي الواقعة نفسها فيقول النبي أن أهل الكتاب فقط معذبين ، ثم تأتي نفس الواقعة فيقول أن الكفار والمسلمين جميعا في القبر معذبين إلا بعض الصالحين ، وهذا طعن مهين لشخص النبي الأمين ففي الواقعة الأولى لم يكن يعلم أن هناك عذاب قبر وكذب اليهودية ، وفي نفس الواقعة في امن به وقال أن العذاب لأهل الكتاب ، وفي نفس الواقعة قال إن العذاب لكل من خاب ...!

ثم بعد ذلك لا يسمع أحد هذا العذاب إلا هو والبهائم فقط، وانتهت بالاستعاذة من هذا العذاب الخطير بمزيد من الأساطير....
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا عن عذاب القبر لشخص أكل جسده من سمكة قرش أو السباع ، أو من تناثرت أشلاؤه في انفجار ، كيف يضم عليه قبره الغير موجود وكيف تختلف أضلاعه بعد الركود على التراب ممدود ، وأين عنقه الذي سيلتف عليه ثعبان اقرع صفته بلا حدود..؟!

وأخيرًا: أتمنى أن لا أُسب أو أن يطعن أحٌد في معتقدي أو يقول قائل: منْ من السلف قال بقولك؟ هل كانوا جهلاء وأنت وحدك الفريد بعلمك؟!

قلت: هذا فضل الله يؤتيه من يشاء، لفت انتباهي لهذا الأمر ابن القيم في كتابه ( الروح) في المسالة الخامسة عشر ،علمًا بأن ابن القيم لم يصرح ب بما ذكرته بل على عكسه، ولكنه من لفت انتباهي لهذه المسالة التي كانت تؤرق مضجعي فهي مسألة مصير وضمير...

وقال ببعضه الدكتور / أحمد حجازي السقا ، ومن قبله علماء من المعتزلة (وضع الأسماء ) ومن قبلهم ابن حزم الذي لم يوافق أبدا على عذاب الجسد والروح وأكد أن رجوع الروح الجسد في القبر لا تصح بل هي أخبار آحاد ، والفراء قال واجتهد ،ولعل هناك من السلف من قال بما قلتُ أو تشابه، فهناك أكثر من ثلاثة ملايين سفر من أسفار علماء السلف مفقودة لا نعلم ما فيها عن سلفنا الأوليين ...

وأسال الله وإياكم أن نكون من أهل الجنة بفضله لا بعدله ، ويرزقني الإخلاصَ ويتقبل الأعمالَ ، فهو بكل جميل كفيل وهو حسبي ونعم الوكيل.
أيضا ضاعت الآف كتب علماء المسلمين ، فأين هي حتى نقول فلان قال وفلان قال ... فلا يقال من بقولك قال....؟!

كتبه/ أكرم حسن مرسي
باحث في مقارنة الأديان




*وما يشعرون أيان يبعثون
*وجاءت سكرة الموت
*النار يعرضون عليها غدوا= وعرضنا جهنم يؤذن
جاءت أم حارثة إلى النبي محمد-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسأل عن مصير ابنها، أين مكانه بعد أن قُتل في سبيل الله ؟ فأخبرها النبيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن روح ابنها في الجنةِ ؛ بل في الفردوس الأعلى لأنه شهيد... جاء ذلك في صحيح البخاري برقم 2598 عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ :"يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى".

حديث البراء بن عازب : اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ، ولم يقل يوم ادفن في القبر.

مبحث النبي محمد لا يسمع من في القبور :
قال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98) (مريم)
قال تعالى : وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)(فاطر).


مدخل هام إلى هذه الأحاديث:
من البلاهة أن تصدق أن عذاب القبر وفتنته علمه نبينا صلى الله عليه وسلم من يهودية دخلت على أمنا عائشة رضي الله عنها قالت لها: وقاكِ الله عذاب القبر، فلم تصدقهاوسألت نبينا لتتأكد فجاءت الأحاديث على أربعة أوجه تناقض بعضها بعضا وتخرج النبي أبلها يرجم بالغيب وحاشاه. فأين الذين يستشهدون بحديث ما يخرج من فيه النبي إلا الحق على وحي السنة.
في الرواية الأولى كذبها النبي عليه الصلاة والسلام قائلا: (كذبت يهود وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة) ( ). مسند أحمد
وفي الرواية الثانيةكذبها قائلا: (إنما تفتن يهود)( ).
وفي الرواية الثالثةكذبها قائلا: (إنما ذاك لأهل الكتاب)( ).
وفي الرواية الرابعة تحمل نفس السيناريو دخلت يهوديتان على أمنا عائشة وقالتا لها: إن أهل القبور يعذبون في قبورهمفكذبتهما، فجاءها النبي فسألتهفصدقهما: (صدقتا، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها)( ). والعجيب أن كل الروايات صحيحة وانتهت باستعاذة النبي عليه الصلاة والسلام من عذاب القبر فتأمل!!
:::::::::::::::
صححه ابن كثير وابن حجر من رواية سعيد بن عمرو والهيثمي والعيني من رواية عائشة.
المعجم الكبير للطبراني، والآحاد والمثاني لابن عاصم من رواية أم سفيان بنت الضحاك.
مسلم والنسائي والألباني.
البخاري ومسلم وغيرهم

1- الطاهر ابن عاشور
تفسر المنار
الرزاي (معتزلي )
ااضواء البياء للشقنطي..

(البحث تحت الدارسة).

المؤلف/ أكرم حسن مرسي