لماذا لم يقتل معاويةُ قتلة عثمان حين تولى الحُكم ؟
الخميس ديسمبر 20, 2018 5:31 am
لماذا لم يقتل معاويةُ قتلة عثمان حين تولى الحُكم ؟
أثيرت شبهةٌ مفَادُها أنّ معاوية قد حارب عليًّا ؛ لأنه كان يريدُ أخذَ القصاصِ من دم ِقتلة عثمانَ فهو ابن عمه وأولى الناس بدمه، وهو كبير بني أمية...
ولكن العجيب لما صار أميرًا للمؤمنين تركَ قتلةَ عثمانَ ولم يأخذ القصاص منهم...!
وهذا يُشعرنا بأنّ معاويةَ كان يريد السلطة والحكم... ولم يريد أخذَ القصاص كما كان يدعي عند الشام، فكان قتاله من أجل مناصب دنيوية....
الرد على الشبهة
أولًا: إنني أؤمن بأنّ معاوية أراد القصاص من دم قتلة عثمان، وهو أولى الناس بدمه.... كما قال الله تعالى:" وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا "(33 )(الإسراء ).
معلوم أنّ عثمان قُتل مظلومًا، وأنّ معاوية ولي دمه؛ فهو ابن عمه...
فثأره من قتلته هو من كامل حقه، وهو حد من حدود الله ، من طلبه كان منصورًا بعدله...
والمعلوم أنّ معاوية كان أمير الشام، وكان من الممكن أن يسحق القتلة...لولا أن عليًّا أراد المبايعة أولًا ثم قتلهم فيما بعد حتى تستقر الأمور.... وقد رفض معاويةُ وأبي أنْ يترك دم قتله عثمان فيسرحون ويمرحون....
وفي الحقيقة إنْ قتلة عثمان كان معظمهم في جيش علي يقاتلون معه؛ وقد قُتل منهم خلقٌ كثيرٌ في معركةِ الجمل و صفين و النهروان...
ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه وهو محل الشبهة: لماذا لما آلت إليه الخلافة لم يتربص بهم ولم يقتلهم معاوية ؟!
الجواب: لم يقتل من تبقى منهم لأنه عاهد الحسن بن علي على عدم إراقة دماء للمسلمين، وكان هذا من مطالب الحسن الرئيسية، وقد وافق عليها معاوية أمام الله ثم الناس؛ كما أنْ معظمهم قتلوا في الحروب التي دارت بين علي ومعاوية ومن قبله عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- كما أسلفتُ ، وقد قال الله :" وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)".(الإسراء).
جاءت قصة الصلح بين الحسن بن علي وبين معاوية ببنودها في صحيح البخاري برقم 2505 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ. أَيْ: عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ فَقَالَ :اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولَا لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالَا لَهُ فَطَلَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ: لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا. قَالَا :نَحْنُ لَكَ بِهِ فَصَالَحَهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ :وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ :رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وجاء البيانُ أكثر عند ابنِ حجر في الفتح على شرحه للحديث: وَمُعَاوِيَة هُوَ اِبْن أَبِي سُفْيَان صَخْر بْن حَرْب بْن أُمَيَّة، فَقَالَ مُعَاوِيَة : (اِذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُل فَاعْرِضَا عَلَيْهِ ) أَيْ:مَا شَاءَ مِنْ الْمَال ( وَقُولَا لَهُ ) أَيْ فِي حَقْن دِمَاء الْمُسْلِمِينَ بِالصُّلْحِ ( وَاطْلُبَا إِلَيْهِ ) أَيْ:اُطْلُبَا مِنْهُ خَلْعه نَفْسه مِنْ الْخِلَافَة وَتَسْلِيم الْأَمْر لِمُعَاوِيَةَ وَابْذُلَا لَهُ فِي مُقَابَلَة ذَلِكَ مَا شَاءَ ( قَالَ فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَن بْن عَلِيّ : إِنَّا بَنُو عَبْد الْمُطَّلِب قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَال، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّة قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا ، قَالَا فَإِنَّهُ يَعْرِض عَلَيْك كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُب إِلَيْك وَيَسْأَلك، قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا ؟ قَالَا: نَحْنُ لَك بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا نَحْنُ لَك بِهِ ، فَصَالَحَهُ ).
قَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَة كَانَ هُوَ الرَّاغِب فِي الصُّلْح وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَى الْحَسَن الْمَال وَرَغَّبَهُ فِيهِ وَحَثَّهُ عَلَى رَفْع السَّيْف وَذَكَّرَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ جَدّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِيَادَته فِي الْإِصْلَاح بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَن : إِنَّا بَنُو عَبْد الْمُطَّلِب أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَال ، أَيْ إِنَّا جُبِلْنَا عَلَى الْكَرَم وَالتَّوْسِعَة عَلَى أَتْبَاعنَا مِنْ الْأَهْل وَالْمَوَالِي وَكُنَّا نَتَمَكَّن مِنْ ذَلِكَ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ لَنَا عَادَة وَقَوْله إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّة أَيْ الْعَسْكَرَيْنِ الشَّامِيّ وَالْعِرَاقِيّ " قَدْ عَاثَتْ " بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ: قَتَلَ بَعْضهَا بَعْضًا فَلَا يَكُفُّونَ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالصَّفْحِ عَمَّا مَضَى مِنْهُمْ وَالتَّأَلُّف بِالْمَالِ. وَأَرَادَ الْحَسَن بِذَلِكَ كُلّه تَسْكِين الْفِتْنَة وَتَفْرِقَة الْمَال عَلَى مَنْ لَا يُرْضِيه إِلَّا الْمَال ، فَوَافَقَاهُ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ وَالْتَزَمَا لَهُ مِنْ الْمَال فِي كُلّ عَام وَالثِّيَاب وَالْأَقْوَات مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ لِكُلِّ مَنْ ذُكِرَ . وَقَوْله " مَنْ لِي بِهَذَا " أَيْ مَنْ يَضْمَن لِي الْوَفَاء مِنْ مُعَاوِيَة ؟ فَقَالَا : نَحْنُ نَضْمَن لِأَنَّ مُعَاوِيَة كَانَ فَوَّضَ لَهُمَا ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله " أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَال " أَيْ فَرَّقْنَا مِنْهُ فِي حَيَاة عَلِيّ وَبَعْدَهُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ صَلَاحًا فَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ خَشْيَة أَنْ يَرْجِع عَلَيْهِ بِمَا تَصَرَّفَ فِيهِ . وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن رَاشِد عِنْدَ الطَّبَرِيِّ " فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَة عَبْد اللَّه بْن عَامِر وَعَبْد اللَّه بْن سَمُرَة بْن حَبِيب " كَذَا قَالَ عَبْد اللَّه وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيح أَصَحّ ، وَلَعَلَّ عَبْد اللَّه كَانَ مَعَ أَخِيهِ عَبْد الرَّحْمَن ، قَالَ فَقَدِمَا عَلَى الْحَسَن بِالْمَدَائِنِ فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ وَصَالَحَاهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذ مِنْ بَيْت مَال الْكُوفَة خَمْسَة آلَاف أَلْف فِي أَشْيَاء اِشْتَرَطَهَا . وَمِنْ طَرِيق عَوَانَة بْن الْحَكَم نَحْوه وَزَادَ وَكَانَ الْحَسَن صَالَحَ مُعَاوِيَة عَلَى أَنْ يَجْعَل لَهُ مَا فِي بَيْت مَال الْكُوفَة وَأَنْ يَكُون لَهُ خَرَاج دار أبجرد ، وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن قُدَامَةَ فِي " كِتَاب الْخَوَارِج " بِسَنَدٍ قَوِيّ إِلَى أَبِي بَصْرَة أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَن بْن عَلِيّ يَقُول فِي خُطْبَته عِنْدَ مُعَاوِيَة إِنِّي اِشْتَرَطْت عَلَى مُعَاوِيَة لِنَفْسِي الْخِلَافَة بَعْدَهُ . وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان بِسَنَدٍ صَحِيح إِلَى الزُّهْرِيّ قَالَ : كَاتَبَ الْحَسَن بْن عَلِيّ مُعَاوِيَة وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ فَوَصَلَتْ الصَّحِيفَة لِمُعَاوِيَةَ وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَن يَسْأَلهُ الصُّلْح وَمَعَ الرَّسُول صَحِيفَة بَيْضَاء مَخْتُوم عَلَى أَسْفَلهَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ اِشْتَرِطْ مَا شِئْت فَهُوَ لَك ، فَاشْتَرَطَ الْحَسَن أَضْعَاف مَا كَانَ سَأَلَ أَوَّلًا ، فَلَمَّا اِلْتَقَيَا وَبَايَعَهُ الْحَسَن سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا اِشْتَرَطَ فِي السِّجِلّ الَّذِي خَتَمَ مُعَاوِيَة فِي أَسْفَله فَتَمَسَّكَ مُعَاوِيَة إِلَّا مَا كَانَ الْحَسَن سَأَلَهُ أَوَّلًا ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ أَجَابَ سُؤَاله أَوَّل مَا وَقَفَ عَلَيْهِ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَنْفُذ لِلْحَسَنِ مِنْ الشَّرْطَيْنِ شَيْء . وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَوْذَبٍ قَالَ : لَمَّا قُتِلَ عَلِيّ سَارَ الْحَسَن بْن عَلِيّ فِي أَهْل الْعِرَاق وَمُعَاوِيَة فِي أَهْل الشَّام فَالْتَقَوْا ، فَكَرِهَ الْحَسَن الْقِتَال وَبَايَعَ مُعَاوِيَة عَلَى أَنْ يَجْعَل الْعَهْد لِلْحَسَنِ مِنْ بَعْدِهِ فَكَانَ أَصْحَاب الْحَسَن يَقُولُونَ لَهُ يَا عَار الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُول الْعَار خَيْر مِنْ النَّار .
قَوْله ( قَالَ الْحَسَن )
هُوَ الْبَصْرِيّ وَهُوَ مَوْصُول بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّم وَوَقَعَ فِي رِجَال الْبُخَارِيّ لِأَبِي الْوَلِيد الْبَاجِيّ فِي تَرْجَمَة الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب مَا نَصّه ". أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ قَوْل الْحَسَن سَمِعْت أَبَا بَكْرَة " فَتَأَوَّلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ الْحَسَن بْن عَلِيّ لِأَنَّ الْحَسَن الْبَصْرِيّ عِنْدَهُمْ لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي بَكْرَة ، وَحَمَلَهُ بْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ عَلَى أَنَّهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ ، قَالَ الْبَاجِيُّ : وَعِنْدِي أَنَّ الْحَسَن الَّذِي قَالَ " سَمِعْت هَذَا مِنْ أَبِي بَكْرَة " إِنَّمَا هُوَ الْحَسَن بْن عَلِيّ اِنْتَهَى ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَإِنَّ الْبُخَارِيّ قَدْ أَخْرَجَ مَتْن هَذَا الْحَدِيث فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مُجَرَّدًا عَنْ الْقِصَّة مِنْ طَرِيق حُسَيْن بْن عَلِيّ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى - وَهُوَ إِسْرَائِيل بْن مُوسَى - عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي بَكْرَة ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " مِنْ رِوَايَة مُبَارَك بْن فَضَالَة وَمِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد كِلَاهُمَا عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي بَكْرَة وَزَادَ فِي آخِره " قَالَ الْحَسَن : فَلَمَّا وَلَّى مَا أُهْرِيقَ فِي سَبَبه مِحْجَمَة دَم " فَالْحَسَن الْقَائِل هُوَ الْبَصْرِيّ ، وَاَلَّذِي وَلَّى هُوَ الْحَسَن بْن عَلِيّ ، وَلَيْسَ لِلْحَسَنِ بْن عَلِيّ فِي هَذَا رِوَايَة ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة - إِسْرَائِيل بْن مُوسَى وَمُبَارَك بْن فَضَالَة وَعَلِيّ بْن زَيْد - لَمْ يُدْرِك وَاحِد مِنْهُمْ الْحَسَن بْن عَلِيّ ، وَقَدْ صَرَّحَ إِسْرَائِيل بِقَوْلِهِ " سَمِعْت الْحَسَن " وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ الصَّلْت بْن مَسْعُود عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهُوَ إِسْرَائِيل " سَمِعْت الْحَسَن سَمِعْت أَبَا بَكْرَة " وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ مِنْ رِجَال الصَّحِيح ، وَالصَّلْت مِنْ شُيُوخ مُسْلِم ، وَقَدْ اِسْتَشْعَرَ اِبْن التِّين خَطَأ الْبَاجِيّ فَقَالَ : قَالَ الدَّاوُدِيُّ الْحَسَن مَعَ قُرْبه مِنْ النَّبِيّ r بِحَيْثُ تُوُفِّيَ النَّبِيّ r وَهُوَ اِبْن سَبْع سِنِينَ لَا يُشَكّ فِي سَمَاعه مِنْهُ وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ صُحْبَة . قَالَ اِبْن التِّين : الَّذِي فِي الْبُخَارِيّ إِنَّمَا أَرَادَ سَمَاع الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ مِنْ أَبِي بَكْرَة . قُلْت : وَلَعَلَّ الدَّاوُدِيّ إِنَّمَا أَرَادَ رَدّ تَوَهُّم مَنْ يَتَوَهَّم أَنَّهُ الْحَسَن بْن عَلِيّ فَدَفَعَهُ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ ظَاهِر وَإِنَّمَا قَالَ اِبْن الْمَدِينِيّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَسَن كَانَ يُرْسِل كَثِيرًا عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُمْ بِصِيغَةِ " عَنْ " فَخَشِيَ أَنْ تَكُون رِوَايَته عَنْ أَبِي بَكْرَة مُرْسَلَة فَلَمَّا جَاءَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة مُصَرِّحَة بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي بَكْرَة ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ، وَلَمْ أَرَ مَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ أَنَّ الْحَسَن هُنَا هُوَ اِبْن عَلِيّ فِي شَيْء مِنْ تَصَانِيفه ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي " التَّتَبُّع لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " : أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ أَحَادِيث عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي بَكْرَة ، وَالْحَسَن إِنَّمَا رَوَى عَنْ الْأَحْنَف عَنْ أَبِي بَكْرَة ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَهُ لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي بَكْرَة ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي مَرَاسِيل الْحَسَن كَابْنِ الْمَدِينِيّ وَأَبِي حَاتِم وَأَحْمَد وَالْبَزَّار وَغَيْرهمْ ، نَعَمْ كَلَام اِبْن الْمَدِينِيّ يُشْعِر بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْإِرْسَال حَتَّى وَقَعَ هَذَا التَّصْرِيح .
قَوْله: ( بَيْنَمَا النَّبِيّ r يَخْطُب جَاءَ الْحَسَن فَقَالَ ) وَقَعَ فِي رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ الْحَسَن فِي " الدَّلَائِل " لِلْبَيْهَقِيِّ " يَخْطُب أَصْحَابه يَوْمًا إِذْ جَاءَ الْحَسَن بْن عَلِيّ فَصَعِدَ إِلَيْهِ الْمِنْبَر " وَفِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْمَذْكُورَة " رَأَيْت رَسُول اللَّه r عَلَى الْمِنْبَر وَالْحَسَن بْن عَلِيّ إِلَى جَنْبه وَهُوَ يُقْبِل عَلَى النَّاس مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُول " وَمِثْله فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي عُمَر عَنْ سُفْيَان لَكِنْ قَالَ " وَهُوَ يَلْتَفِت إِلَى النَّاس مَرَّةً وَإِلَيْهِ أُخْرَى " .
قَوْله: ( اِبْنِي هَذَا سَيِّد )
فِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد " إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد " وَفِي رِوَايَة مُبَارَك بْن فَضَالَة " رَأَيْت رَسُول اللَّه r ضَمَّ الْحَسَن بْن عَلِيّ إِلَيْهِ وَقَالَ : إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد " وَفِي رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد " فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ : أَلَا إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد " .
قَوْله: ( وَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصْلِحَ بِهِ )
كَذَا اِسْتَعْمَلَ " لَعَلَّ " اِسْتِعْمَال عَسَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرَّجَاء، وَالْأَشْهَر فِي خَبَر " لَعَلَّ " بِغَيْرِ " أَنْ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( لَعَلَّ اللَّه يُحْدِث ) .
قَوْله: ( بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ )
زَادَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد فِي رِوَايَته " عَظِيمَتَيْنِ " وَكَذَا فِي رِوَايَة مُبَارَك بْن فَضَالَة وَفِي رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد كِلَاهُمَا عَنْ الْحَسَن عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق أَشْعَث بْن عَبْد الْمَلِك عَنْ الْحَسَن كَالْأَوَّلِ لَكِنَّهُ قَالَ " وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُصْلِح اللَّه بِهِ " وَجَزَمَ فِي حَدِيث جَابِر وَلَفْظه عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ " قَالَ لِلْحَسَنِ : إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد يُصْلِح اللَّه بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ الْبَزَّار : رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَبِي بَكْرَة وَعَنْ جَابِر ، وَحَدِيث أَبِي بَكْرَة أَشْهَر وَأَحْسَن إِسْنَادًا ، وَحَدِيث جَابِر غَرِيب . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : اُخْتُلِفَ عَلَى الْحَسَن فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أُمّ سَلَمَة ، وَقِيلَ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوب عَنْ الْحَسَن ، وَكُلّ مِنْهُمَا وَهْم . وَرَوَاهُ دَاوُدُ بْن أَبِي هِنْد وَعَوْف الْأَعْرَابِيّ عَنْ الْحَسَن مُرْسَلًا . وَفِي هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ الْفَوَائِد عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة ، وَمَنْقَبَة لِلْحَسَنِ بْن عَلِيّ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْمُلْك لَا لِقِلَّةٍ وَلَا لِذِلَّةٍ وَلَا لِعِلَّةٍ بَلْ لِرَغْبَتِهِ فِيمَا عِنْدَ اللَّه لِمَا رَآهُ مِنْ حَقْن دِمَاء الْمُسْلِمِينَ ، فَرَاعَى أَمْر الدِّين وَمَصْلَحَة الْأُمَّة . وَفِيهَا رَدّ عَلَى الْخَوَارِج الَّذِينَ كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ وَمُعَاوِيَة وَمَنْ مَعَهُ بِشَهَادَةِ النَّبِيّ r لِلطَّائِفَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ يَقُول عَقِبَ هَذَا الْحَدِيث : قَوْله " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " يُعْجِبنَا جِدًّا أَخْرَجَهُ يَعْقُوب بْن سُفْيَان فِي تَارِيخه عَنْ الْحُمَيْدِيِّ وَسَعِيد بْن مَنْصُور عَنْهُ . وَفِيهِ فَضِيلَة الْإِصْلَاح بَيْنَ النَّاس وَلَا سِيَّمَا فِي حَقْن دِمَاء الْمُسْلِمِينَ ، وَدَلَالَة عَلَى رَأْفَة مُعَاوِيَة بِالرَّعِيَّةِ ، وَشَفَقَته عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَقُوَّة نَظَره فِي تَدْبِير الْمُلْك ، وَنَظَره فِي الْعَوَاقِب . وَفِيهِ وِلَايَة الْمَفْضُول الْخِلَافَة مَعَ وُجُود الْأَفْضَل لِأَنَّ الْحَسَن وَمُعَاوِيَة وُلِّيَ كُلّ مِنْهُمَا الْخِلَافَة وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَسَعِيد بْن زَيْد فِي الْحَيَاة وَهُمَا بَدْرِيَّانِ قَالَهُ اِبْن التِّين . وَفِيهِ جَوَاز خَلْع الْخَلِيفَة نَفْسه إِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ وَالنُّزُول عَنْ الْوَظَائِف الدِّينِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة بِالْمَالِ ، وَجَوَاز أَخْذ الْمَال عَلَى ذَلِكَ وَإِعْطَائِهِ بَعْدَ اِسْتِيفَاء شَرَائِطه بِأَنْ يَكُون الْمَنْزُول لَهُ أَوْلَى مِنْ النَّازِل وَأَنْ يَكُون الْمَبْذُول مِنْ مَال الْبَاذِل . فَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَة عَامَّة وَكَانَ الْمَبْذُول مِنْ بَيْت الْمَال اُشْتُرِطَ أَنْ تَكُون الْمَصْلَحَة فِي ذَلِكَ عَامَّة ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن بَطَّال قَالَ : يُشْتَرَط أَنْ يَكُون لِكُلٍّ مِنْ الْبَاذِل وَالْمَبْذُول لَهُ سَبَب فِي الْوِلَايَة يَسْتَنِد إِلَيْهِ ، وَعَقْد مِنْ الْأُمُور يُعَوَّل عَلَيْهِ . وَفِيهِ أَنَّ السِّيَادَة لَا تَخْتَصّ بِالْأَفْضَلِ بَلْ هُوَ الرَّئِيس عَلَى الْقَوْم وَالْجَمْع سَادَة ، وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ السُّؤْدُد وَقِيلَ مِنْ السَّوَاد لِكَوْنِهِ يَرْأَس عَلَى السَّوَاد الْعَظِيم مِنْ النَّاس أَيْ الْأَشْخَاص الْكَثِيرَة وَقَالَ الْمُهَلَّب الْحَدِيث دَالّ عَلَى أَنَّ السِّيَادَة إِنَّمَا يَسْتَحِقّهَا مَنْ يَنْتَفِع بِهِ النَّاس ، لِكَوْنِهِ عَلَّقَ السِّيَادَة بِالْإِصْلَاحِ. وَفِيهِ إِطْلَاق الِابْن عَلَى اِبْن الْبِنْت ، وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ اِمْرَأَة الْجَدّ وَالِد الْأُمّ مُحَرَّمَة عَلَى اِبْن بِنْته ، وَأَنَّ اِمْرَأَة اِبْن الْبِنْت مُحَرَّمَة عَلَى جَدّه ، وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي التَّوَارُث . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَصْوِيب رَأْي مَنْ قَعَدَ عَنْ الْقِتَال مَعَ مُعَاوِيَة وَعَلِيّ وَإِنْ كَانَ عَلِيّ أَحَقّ بِالْخِلَافَةِ وَأَقْرَب إِلَى الْحَقّ، وَهُوَ قَوْل سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَابْن عُمَر وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ وَسَائِر مَنْ اِعْتَزَلَ تِلْكَ الْحُرُوب. وَذَهَبَ جُمْهُور أَهْل السُّنَّة إِلَى تَصْوِيب مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيّ لِامْتِثَالِ قَوْله تَعَالَى ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا ) الْآيَة فَفِيهَا الْأَمْر بِقِتَالِ الْفِئَة الْبَاغِيَة ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا كَانُوا بُغَاة ، وَهَؤُلَاءِ مَعَ هَذَا التَّصْوِيب مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُذَمّ وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ بَلْ يَقُولُونَ اِجْتَهَدُوا فَأَخْطَأُوا، وَذَهَبَ طَائِفَة قَلِيلَة مِنْ أَهْل السُّنَّة - وَهُوَ قَوْل كَثِير مِنْ الْمُعْتَزِلَة - إِلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُصِيب ، وَطَائِفَة إِلَى أَنَّ الْمُصِيب طَائِفَة لَا بِعَيْنِهَا .اهـ
الملاحظ مما سبق: أن الحسنَ بن علي قد طَالب بوقف أي دماءٍ لدرءِ الفتنة، ودفع الفدية لمن أرادها... وقد وافق معاويةُ على ذلك ، وترك من تبقى من قتله عثمان لله ؛ فأهل المقتول مخيرون بين القصاص والدية والعفو لوجه الله ، وقد قتل منهم الكثير وأما القليل فسيجلب مزيدًا من دماء الأبرياء الموحدين الأصفياء.. فالعفو خير والوفاء بالعهد من فعل الأتقياء....
والملاحظ أيضًا: أنّ الذي طلب الصلح هو معاوية وليس الحسن وهذا من مناقبه التي يغفل عنها المعترضون فهو الذي أرسل إلى الحسن أولًا...
ثانيًّا: معلومٌ في التاريخ أن أبناء معاوية (من بني أمية) لم يتركوا واحدًا من قتلة عثمان – الذي هو من بني أمية- إلا قتلوه بعد أن استتبت الأمور على مر الدهور، وهذا لا يُعد خروجًا عن العهدِ؛ لأن العهد كان مع الحسن ومعاوية، وكان سببه حقن دماء المسلمين ومنع الفتن....ولما ظهرت الفتن من جديد بعد سنوات في خلافة بني أمية قتلوا قتلة عثمان، وكان آخر رجل قًتل منهم هو: عُمير بن ضابئ التميمي قتله الحجاج بن يوسف- سيف بني أمية- بعد خطبته على منبر الكوفة مباشرة (أمام المسجد) سنة 75هـ. راجع تاريخ الطبري ج 6.
وبهذا تم قتل معظم قتلة عثمان إلى آخر شخص منهم في عهدهم....
ومن مات على فراشه حسابه على الله ..والله ناصر من ولاه....
كتبه / أكرم حسن مرسي
أثيرت شبهةٌ مفَادُها أنّ معاوية قد حارب عليًّا ؛ لأنه كان يريدُ أخذَ القصاصِ من دم ِقتلة عثمانَ فهو ابن عمه وأولى الناس بدمه، وهو كبير بني أمية...
ولكن العجيب لما صار أميرًا للمؤمنين تركَ قتلةَ عثمانَ ولم يأخذ القصاص منهم...!
وهذا يُشعرنا بأنّ معاويةَ كان يريد السلطة والحكم... ولم يريد أخذَ القصاص كما كان يدعي عند الشام، فكان قتاله من أجل مناصب دنيوية....
الرد على الشبهة
أولًا: إنني أؤمن بأنّ معاوية أراد القصاص من دم قتلة عثمان، وهو أولى الناس بدمه.... كما قال الله تعالى:" وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا "(33 )(الإسراء ).
معلوم أنّ عثمان قُتل مظلومًا، وأنّ معاوية ولي دمه؛ فهو ابن عمه...
فثأره من قتلته هو من كامل حقه، وهو حد من حدود الله ، من طلبه كان منصورًا بعدله...
والمعلوم أنّ معاوية كان أمير الشام، وكان من الممكن أن يسحق القتلة...لولا أن عليًّا أراد المبايعة أولًا ثم قتلهم فيما بعد حتى تستقر الأمور.... وقد رفض معاويةُ وأبي أنْ يترك دم قتله عثمان فيسرحون ويمرحون....
وفي الحقيقة إنْ قتلة عثمان كان معظمهم في جيش علي يقاتلون معه؛ وقد قُتل منهم خلقٌ كثيرٌ في معركةِ الجمل و صفين و النهروان...
ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه وهو محل الشبهة: لماذا لما آلت إليه الخلافة لم يتربص بهم ولم يقتلهم معاوية ؟!
الجواب: لم يقتل من تبقى منهم لأنه عاهد الحسن بن علي على عدم إراقة دماء للمسلمين، وكان هذا من مطالب الحسن الرئيسية، وقد وافق عليها معاوية أمام الله ثم الناس؛ كما أنْ معظمهم قتلوا في الحروب التي دارت بين علي ومعاوية ومن قبله عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- كما أسلفتُ ، وقد قال الله :" وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)".(الإسراء).
جاءت قصة الصلح بين الحسن بن علي وبين معاوية ببنودها في صحيح البخاري برقم 2505 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ. أَيْ: عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ فَقَالَ :اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولَا لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ فَأَتَيَاهُ فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا، وَقَالَا لَهُ فَطَلَبَا إِلَيْهِ فَقَالَ: لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالَا: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا. قَالَا :نَحْنُ لَكَ بِهِ فَصَالَحَهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ :وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ :رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وجاء البيانُ أكثر عند ابنِ حجر في الفتح على شرحه للحديث: وَمُعَاوِيَة هُوَ اِبْن أَبِي سُفْيَان صَخْر بْن حَرْب بْن أُمَيَّة، فَقَالَ مُعَاوِيَة : (اِذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُل فَاعْرِضَا عَلَيْهِ ) أَيْ:مَا شَاءَ مِنْ الْمَال ( وَقُولَا لَهُ ) أَيْ فِي حَقْن دِمَاء الْمُسْلِمِينَ بِالصُّلْحِ ( وَاطْلُبَا إِلَيْهِ ) أَيْ:اُطْلُبَا مِنْهُ خَلْعه نَفْسه مِنْ الْخِلَافَة وَتَسْلِيم الْأَمْر لِمُعَاوِيَةَ وَابْذُلَا لَهُ فِي مُقَابَلَة ذَلِكَ مَا شَاءَ ( قَالَ فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَن بْن عَلِيّ : إِنَّا بَنُو عَبْد الْمُطَّلِب قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَال، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّة قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا ، قَالَا فَإِنَّهُ يَعْرِض عَلَيْك كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُب إِلَيْك وَيَسْأَلك، قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا ؟ قَالَا: نَحْنُ لَك بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا نَحْنُ لَك بِهِ ، فَصَالَحَهُ ).
قَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَة كَانَ هُوَ الرَّاغِب فِي الصُّلْح وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَى الْحَسَن الْمَال وَرَغَّبَهُ فِيهِ وَحَثَّهُ عَلَى رَفْع السَّيْف وَذَكَّرَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ جَدّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِيَادَته فِي الْإِصْلَاح بِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَن : إِنَّا بَنُو عَبْد الْمُطَّلِب أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَال ، أَيْ إِنَّا جُبِلْنَا عَلَى الْكَرَم وَالتَّوْسِعَة عَلَى أَتْبَاعنَا مِنْ الْأَهْل وَالْمَوَالِي وَكُنَّا نَتَمَكَّن مِنْ ذَلِكَ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ لَنَا عَادَة وَقَوْله إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّة أَيْ الْعَسْكَرَيْنِ الشَّامِيّ وَالْعِرَاقِيّ " قَدْ عَاثَتْ " بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ: قَتَلَ بَعْضهَا بَعْضًا فَلَا يَكُفُّونَ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالصَّفْحِ عَمَّا مَضَى مِنْهُمْ وَالتَّأَلُّف بِالْمَالِ. وَأَرَادَ الْحَسَن بِذَلِكَ كُلّه تَسْكِين الْفِتْنَة وَتَفْرِقَة الْمَال عَلَى مَنْ لَا يُرْضِيه إِلَّا الْمَال ، فَوَافَقَاهُ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ جَمِيع ذَلِكَ وَالْتَزَمَا لَهُ مِنْ الْمَال فِي كُلّ عَام وَالثِّيَاب وَالْأَقْوَات مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ لِكُلِّ مَنْ ذُكِرَ . وَقَوْله " مَنْ لِي بِهَذَا " أَيْ مَنْ يَضْمَن لِي الْوَفَاء مِنْ مُعَاوِيَة ؟ فَقَالَا : نَحْنُ نَضْمَن لِأَنَّ مُعَاوِيَة كَانَ فَوَّضَ لَهُمَا ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله " أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَال " أَيْ فَرَّقْنَا مِنْهُ فِي حَيَاة عَلِيّ وَبَعْدَهُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ صَلَاحًا فَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ خَشْيَة أَنْ يَرْجِع عَلَيْهِ بِمَا تَصَرَّفَ فِيهِ . وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن رَاشِد عِنْدَ الطَّبَرِيِّ " فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَة عَبْد اللَّه بْن عَامِر وَعَبْد اللَّه بْن سَمُرَة بْن حَبِيب " كَذَا قَالَ عَبْد اللَّه وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ ، وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيح أَصَحّ ، وَلَعَلَّ عَبْد اللَّه كَانَ مَعَ أَخِيهِ عَبْد الرَّحْمَن ، قَالَ فَقَدِمَا عَلَى الْحَسَن بِالْمَدَائِنِ فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ وَصَالَحَاهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذ مِنْ بَيْت مَال الْكُوفَة خَمْسَة آلَاف أَلْف فِي أَشْيَاء اِشْتَرَطَهَا . وَمِنْ طَرِيق عَوَانَة بْن الْحَكَم نَحْوه وَزَادَ وَكَانَ الْحَسَن صَالَحَ مُعَاوِيَة عَلَى أَنْ يَجْعَل لَهُ مَا فِي بَيْت مَال الْكُوفَة وَأَنْ يَكُون لَهُ خَرَاج دار أبجرد ، وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن قُدَامَةَ فِي " كِتَاب الْخَوَارِج " بِسَنَدٍ قَوِيّ إِلَى أَبِي بَصْرَة أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَن بْن عَلِيّ يَقُول فِي خُطْبَته عِنْدَ مُعَاوِيَة إِنِّي اِشْتَرَطْت عَلَى مُعَاوِيَة لِنَفْسِي الْخِلَافَة بَعْدَهُ . وَأَخْرَجَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان بِسَنَدٍ صَحِيح إِلَى الزُّهْرِيّ قَالَ : كَاتَبَ الْحَسَن بْن عَلِيّ مُعَاوِيَة وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ فَوَصَلَتْ الصَّحِيفَة لِمُعَاوِيَةَ وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَن يَسْأَلهُ الصُّلْح وَمَعَ الرَّسُول صَحِيفَة بَيْضَاء مَخْتُوم عَلَى أَسْفَلهَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ اِشْتَرِطْ مَا شِئْت فَهُوَ لَك ، فَاشْتَرَطَ الْحَسَن أَضْعَاف مَا كَانَ سَأَلَ أَوَّلًا ، فَلَمَّا اِلْتَقَيَا وَبَايَعَهُ الْحَسَن سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا اِشْتَرَطَ فِي السِّجِلّ الَّذِي خَتَمَ مُعَاوِيَة فِي أَسْفَله فَتَمَسَّكَ مُعَاوِيَة إِلَّا مَا كَانَ الْحَسَن سَأَلَهُ أَوَّلًا ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ أَجَابَ سُؤَاله أَوَّل مَا وَقَفَ عَلَيْهِ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَنْفُذ لِلْحَسَنِ مِنْ الشَّرْطَيْنِ شَيْء . وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن شَوْذَبٍ قَالَ : لَمَّا قُتِلَ عَلِيّ سَارَ الْحَسَن بْن عَلِيّ فِي أَهْل الْعِرَاق وَمُعَاوِيَة فِي أَهْل الشَّام فَالْتَقَوْا ، فَكَرِهَ الْحَسَن الْقِتَال وَبَايَعَ مُعَاوِيَة عَلَى أَنْ يَجْعَل الْعَهْد لِلْحَسَنِ مِنْ بَعْدِهِ فَكَانَ أَصْحَاب الْحَسَن يَقُولُونَ لَهُ يَا عَار الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُول الْعَار خَيْر مِنْ النَّار .
قَوْله ( قَالَ الْحَسَن )
هُوَ الْبَصْرِيّ وَهُوَ مَوْصُول بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّم وَوَقَعَ فِي رِجَال الْبُخَارِيّ لِأَبِي الْوَلِيد الْبَاجِيّ فِي تَرْجَمَة الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب مَا نَصّه ". أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ قَوْل الْحَسَن سَمِعْت أَبَا بَكْرَة " فَتَأَوَّلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ الْحَسَن بْن عَلِيّ لِأَنَّ الْحَسَن الْبَصْرِيّ عِنْدَهُمْ لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي بَكْرَة ، وَحَمَلَهُ بْن الْمَدِينِيّ وَالْبُخَارِيّ عَلَى أَنَّهُ الْحَسَن الْبَصْرِيّ ، قَالَ الْبَاجِيُّ : وَعِنْدِي أَنَّ الْحَسَن الَّذِي قَالَ " سَمِعْت هَذَا مِنْ أَبِي بَكْرَة " إِنَّمَا هُوَ الْحَسَن بْن عَلِيّ اِنْتَهَى ، وَهُوَ عَجِيب مِنْهُ فَإِنَّ الْبُخَارِيّ قَدْ أَخْرَجَ مَتْن هَذَا الْحَدِيث فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مُجَرَّدًا عَنْ الْقِصَّة مِنْ طَرِيق حُسَيْن بْن عَلِيّ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى - وَهُوَ إِسْرَائِيل بْن مُوسَى - عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي بَكْرَة ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي " الدَّلَائِل " مِنْ رِوَايَة مُبَارَك بْن فَضَالَة وَمِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد كِلَاهُمَا عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي بَكْرَة وَزَادَ فِي آخِره " قَالَ الْحَسَن : فَلَمَّا وَلَّى مَا أُهْرِيقَ فِي سَبَبه مِحْجَمَة دَم " فَالْحَسَن الْقَائِل هُوَ الْبَصْرِيّ ، وَاَلَّذِي وَلَّى هُوَ الْحَسَن بْن عَلِيّ ، وَلَيْسَ لِلْحَسَنِ بْن عَلِيّ فِي هَذَا رِوَايَة ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة - إِسْرَائِيل بْن مُوسَى وَمُبَارَك بْن فَضَالَة وَعَلِيّ بْن زَيْد - لَمْ يُدْرِك وَاحِد مِنْهُمْ الْحَسَن بْن عَلِيّ ، وَقَدْ صَرَّحَ إِسْرَائِيل بِقَوْلِهِ " سَمِعْت الْحَسَن " وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ الصَّلْت بْن مَسْعُود عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهُوَ إِسْرَائِيل " سَمِعْت الْحَسَن سَمِعْت أَبَا بَكْرَة " وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ مِنْ رِجَال الصَّحِيح ، وَالصَّلْت مِنْ شُيُوخ مُسْلِم ، وَقَدْ اِسْتَشْعَرَ اِبْن التِّين خَطَأ الْبَاجِيّ فَقَالَ : قَالَ الدَّاوُدِيُّ الْحَسَن مَعَ قُرْبه مِنْ النَّبِيّ r بِحَيْثُ تُوُفِّيَ النَّبِيّ r وَهُوَ اِبْن سَبْع سِنِينَ لَا يُشَكّ فِي سَمَاعه مِنْهُ وَلَهُ مَعَ ذَلِكَ صُحْبَة . قَالَ اِبْن التِّين : الَّذِي فِي الْبُخَارِيّ إِنَّمَا أَرَادَ سَمَاع الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ مِنْ أَبِي بَكْرَة . قُلْت : وَلَعَلَّ الدَّاوُدِيّ إِنَّمَا أَرَادَ رَدّ تَوَهُّم مَنْ يَتَوَهَّم أَنَّهُ الْحَسَن بْن عَلِيّ فَدَفَعَهُ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ ظَاهِر وَإِنَّمَا قَالَ اِبْن الْمَدِينِيّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَسَن كَانَ يُرْسِل كَثِيرًا عَمَّنْ لَمْ يَلْقَهُمْ بِصِيغَةِ " عَنْ " فَخَشِيَ أَنْ تَكُون رِوَايَته عَنْ أَبِي بَكْرَة مُرْسَلَة فَلَمَّا جَاءَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة مُصَرِّحَة بِسَمَاعِهِ مِنْ أَبِي بَكْرَة ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ، وَلَمْ أَرَ مَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ أَنَّ الْحَسَن هُنَا هُوَ اِبْن عَلِيّ فِي شَيْء مِنْ تَصَانِيفه ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي " التَّتَبُّع لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ " : أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ أَحَادِيث عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي بَكْرَة ، وَالْحَسَن إِنَّمَا رَوَى عَنْ الْأَحْنَف عَنْ أَبِي بَكْرَة ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَهُ لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي بَكْرَة ، لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي مَرَاسِيل الْحَسَن كَابْنِ الْمَدِينِيّ وَأَبِي حَاتِم وَأَحْمَد وَالْبَزَّار وَغَيْرهمْ ، نَعَمْ كَلَام اِبْن الْمَدِينِيّ يُشْعِر بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى الْإِرْسَال حَتَّى وَقَعَ هَذَا التَّصْرِيح .
قَوْله: ( بَيْنَمَا النَّبِيّ r يَخْطُب جَاءَ الْحَسَن فَقَالَ ) وَقَعَ فِي رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ الْحَسَن فِي " الدَّلَائِل " لِلْبَيْهَقِيِّ " يَخْطُب أَصْحَابه يَوْمًا إِذْ جَاءَ الْحَسَن بْن عَلِيّ فَصَعِدَ إِلَيْهِ الْمِنْبَر " وَفِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الْمَذْكُورَة " رَأَيْت رَسُول اللَّه r عَلَى الْمِنْبَر وَالْحَسَن بْن عَلِيّ إِلَى جَنْبه وَهُوَ يُقْبِل عَلَى النَّاس مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُول " وَمِثْله فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي عُمَر عَنْ سُفْيَان لَكِنْ قَالَ " وَهُوَ يَلْتَفِت إِلَى النَّاس مَرَّةً وَإِلَيْهِ أُخْرَى " .
قَوْله: ( اِبْنِي هَذَا سَيِّد )
فِي رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد " إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد " وَفِي رِوَايَة مُبَارَك بْن فَضَالَة " رَأَيْت رَسُول اللَّه r ضَمَّ الْحَسَن بْن عَلِيّ إِلَيْهِ وَقَالَ : إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد " وَفِي رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد " فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ : أَلَا إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد " .
قَوْله: ( وَلَعَلَّ اللَّه أَنْ يُصْلِحَ بِهِ )
كَذَا اِسْتَعْمَلَ " لَعَلَّ " اِسْتِعْمَال عَسَى لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرَّجَاء، وَالْأَشْهَر فِي خَبَر " لَعَلَّ " بِغَيْرِ " أَنْ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( لَعَلَّ اللَّه يُحْدِث ) .
قَوْله: ( بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ )
زَادَ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد فِي رِوَايَته " عَظِيمَتَيْنِ " وَكَذَا فِي رِوَايَة مُبَارَك بْن فَضَالَة وَفِي رِوَايَة عَلِيّ بْن زَيْد كِلَاهُمَا عَنْ الْحَسَن عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق أَشْعَث بْن عَبْد الْمَلِك عَنْ الْحَسَن كَالْأَوَّلِ لَكِنَّهُ قَالَ " وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُصْلِح اللَّه بِهِ " وَجَزَمَ فِي حَدِيث جَابِر وَلَفْظه عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ " قَالَ لِلْحَسَنِ : إِنَّ اِبْنِي هَذَا سَيِّد يُصْلِح اللَّه بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ " قَالَ الْبَزَّار : رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَبِي بَكْرَة وَعَنْ جَابِر ، وَحَدِيث أَبِي بَكْرَة أَشْهَر وَأَحْسَن إِسْنَادًا ، وَحَدِيث جَابِر غَرِيب . وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : اُخْتُلِفَ عَلَى الْحَسَن فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أُمّ سَلَمَة ، وَقِيلَ عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوب عَنْ الْحَسَن ، وَكُلّ مِنْهُمَا وَهْم . وَرَوَاهُ دَاوُدُ بْن أَبِي هِنْد وَعَوْف الْأَعْرَابِيّ عَنْ الْحَسَن مُرْسَلًا . وَفِي هَذِهِ الْقِصَّة مِنْ الْفَوَائِد عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة ، وَمَنْقَبَة لِلْحَسَنِ بْن عَلِيّ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْمُلْك لَا لِقِلَّةٍ وَلَا لِذِلَّةٍ وَلَا لِعِلَّةٍ بَلْ لِرَغْبَتِهِ فِيمَا عِنْدَ اللَّه لِمَا رَآهُ مِنْ حَقْن دِمَاء الْمُسْلِمِينَ ، فَرَاعَى أَمْر الدِّين وَمَصْلَحَة الْأُمَّة . وَفِيهَا رَدّ عَلَى الْخَوَارِج الَّذِينَ كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ وَمُعَاوِيَة وَمَنْ مَعَهُ بِشَهَادَةِ النَّبِيّ r لِلطَّائِفَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ يَقُول عَقِبَ هَذَا الْحَدِيث : قَوْله " مِنْ الْمُسْلِمِينَ " يُعْجِبنَا جِدًّا أَخْرَجَهُ يَعْقُوب بْن سُفْيَان فِي تَارِيخه عَنْ الْحُمَيْدِيِّ وَسَعِيد بْن مَنْصُور عَنْهُ . وَفِيهِ فَضِيلَة الْإِصْلَاح بَيْنَ النَّاس وَلَا سِيَّمَا فِي حَقْن دِمَاء الْمُسْلِمِينَ ، وَدَلَالَة عَلَى رَأْفَة مُعَاوِيَة بِالرَّعِيَّةِ ، وَشَفَقَته عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَقُوَّة نَظَره فِي تَدْبِير الْمُلْك ، وَنَظَره فِي الْعَوَاقِب . وَفِيهِ وِلَايَة الْمَفْضُول الْخِلَافَة مَعَ وُجُود الْأَفْضَل لِأَنَّ الْحَسَن وَمُعَاوِيَة وُلِّيَ كُلّ مِنْهُمَا الْخِلَافَة وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَسَعِيد بْن زَيْد فِي الْحَيَاة وَهُمَا بَدْرِيَّانِ قَالَهُ اِبْن التِّين . وَفِيهِ جَوَاز خَلْع الْخَلِيفَة نَفْسه إِذَا رَأَى فِي ذَلِكَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ وَالنُّزُول عَنْ الْوَظَائِف الدِّينِيَّة وَالدُّنْيَوِيَّة بِالْمَالِ ، وَجَوَاز أَخْذ الْمَال عَلَى ذَلِكَ وَإِعْطَائِهِ بَعْدَ اِسْتِيفَاء شَرَائِطه بِأَنْ يَكُون الْمَنْزُول لَهُ أَوْلَى مِنْ النَّازِل وَأَنْ يَكُون الْمَبْذُول مِنْ مَال الْبَاذِل . فَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَة عَامَّة وَكَانَ الْمَبْذُول مِنْ بَيْت الْمَال اُشْتُرِطَ أَنْ تَكُون الْمَصْلَحَة فِي ذَلِكَ عَامَّة ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ اِبْن بَطَّال قَالَ : يُشْتَرَط أَنْ يَكُون لِكُلٍّ مِنْ الْبَاذِل وَالْمَبْذُول لَهُ سَبَب فِي الْوِلَايَة يَسْتَنِد إِلَيْهِ ، وَعَقْد مِنْ الْأُمُور يُعَوَّل عَلَيْهِ . وَفِيهِ أَنَّ السِّيَادَة لَا تَخْتَصّ بِالْأَفْضَلِ بَلْ هُوَ الرَّئِيس عَلَى الْقَوْم وَالْجَمْع سَادَة ، وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ السُّؤْدُد وَقِيلَ مِنْ السَّوَاد لِكَوْنِهِ يَرْأَس عَلَى السَّوَاد الْعَظِيم مِنْ النَّاس أَيْ الْأَشْخَاص الْكَثِيرَة وَقَالَ الْمُهَلَّب الْحَدِيث دَالّ عَلَى أَنَّ السِّيَادَة إِنَّمَا يَسْتَحِقّهَا مَنْ يَنْتَفِع بِهِ النَّاس ، لِكَوْنِهِ عَلَّقَ السِّيَادَة بِالْإِصْلَاحِ. وَفِيهِ إِطْلَاق الِابْن عَلَى اِبْن الْبِنْت ، وَقَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ اِمْرَأَة الْجَدّ وَالِد الْأُمّ مُحَرَّمَة عَلَى اِبْن بِنْته ، وَأَنَّ اِمْرَأَة اِبْن الْبِنْت مُحَرَّمَة عَلَى جَدّه ، وَإِنْ اِخْتَلَفُوا فِي التَّوَارُث . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَصْوِيب رَأْي مَنْ قَعَدَ عَنْ الْقِتَال مَعَ مُعَاوِيَة وَعَلِيّ وَإِنْ كَانَ عَلِيّ أَحَقّ بِالْخِلَافَةِ وَأَقْرَب إِلَى الْحَقّ، وَهُوَ قَوْل سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَابْن عُمَر وَمُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ وَسَائِر مَنْ اِعْتَزَلَ تِلْكَ الْحُرُوب. وَذَهَبَ جُمْهُور أَهْل السُّنَّة إِلَى تَصْوِيب مَنْ قَاتَلَ مَعَ عَلِيّ لِامْتِثَالِ قَوْله تَعَالَى ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا ) الْآيَة فَفِيهَا الْأَمْر بِقِتَالِ الْفِئَة الْبَاغِيَة ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا كَانُوا بُغَاة ، وَهَؤُلَاءِ مَعَ هَذَا التَّصْوِيب مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُذَمّ وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ بَلْ يَقُولُونَ اِجْتَهَدُوا فَأَخْطَأُوا، وَذَهَبَ طَائِفَة قَلِيلَة مِنْ أَهْل السُّنَّة - وَهُوَ قَوْل كَثِير مِنْ الْمُعْتَزِلَة - إِلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُصِيب ، وَطَائِفَة إِلَى أَنَّ الْمُصِيب طَائِفَة لَا بِعَيْنِهَا .اهـ
الملاحظ مما سبق: أن الحسنَ بن علي قد طَالب بوقف أي دماءٍ لدرءِ الفتنة، ودفع الفدية لمن أرادها... وقد وافق معاويةُ على ذلك ، وترك من تبقى من قتله عثمان لله ؛ فأهل المقتول مخيرون بين القصاص والدية والعفو لوجه الله ، وقد قتل منهم الكثير وأما القليل فسيجلب مزيدًا من دماء الأبرياء الموحدين الأصفياء.. فالعفو خير والوفاء بالعهد من فعل الأتقياء....
والملاحظ أيضًا: أنّ الذي طلب الصلح هو معاوية وليس الحسن وهذا من مناقبه التي يغفل عنها المعترضون فهو الذي أرسل إلى الحسن أولًا...
ثانيًّا: معلومٌ في التاريخ أن أبناء معاوية (من بني أمية) لم يتركوا واحدًا من قتلة عثمان – الذي هو من بني أمية- إلا قتلوه بعد أن استتبت الأمور على مر الدهور، وهذا لا يُعد خروجًا عن العهدِ؛ لأن العهد كان مع الحسن ومعاوية، وكان سببه حقن دماء المسلمين ومنع الفتن....ولما ظهرت الفتن من جديد بعد سنوات في خلافة بني أمية قتلوا قتلة عثمان، وكان آخر رجل قًتل منهم هو: عُمير بن ضابئ التميمي قتله الحجاج بن يوسف- سيف بني أمية- بعد خطبته على منبر الكوفة مباشرة (أمام المسجد) سنة 75هـ. راجع تاريخ الطبري ج 6.
وبهذا تم قتل معظم قتلة عثمان إلى آخر شخص منهم في عهدهم....
ومن مات على فراشه حسابه على الله ..والله ناصر من ولاه....
كتبه / أكرم حسن مرسي
- هل أمر معاويةُ أن يُسب عليًّا (أبا تراب)؟!
- نبيٌّ يقتل امرأةً (أم قرفة)!
- نبيٌّ يقتل غدرًا (كعب بن الْأَشْرَفِ)!
- رد شبهة: نبيُّ الإسلام يقول: " لا يقتل مسلمٌ بكافرٍ " !
- البرنامج التلفزيوني نبي الرحمة الرد على الشبهات حول الاسلام { الأستاذ أكرم حسن } عنوان الحلقة {الرد على شبهة نبي يقتل النساء والاطفال مقتل أم قرفة بطريقة وحشية }
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى